باب الشركة
  وذلك لأن موضوع المضاربة هو بأن ينفرد ربُّ المال برأس ماله، ويشتركا في الربح إذا حصل، ولو كانت بالعروض لأدَّى إلى أحد باطلين: إمَّا أن ينفرد ربُّ المال بالربح في بعض الحالات بأن تكون قيمتُه يوم العقد مائةَ دينار مثلاً، ثم يتجرالْمُضَارَبُ فيربح مائةً أخرى ثم يريد أن يَرُدَّ لصاحب المال مثل عرضه وقد صارت قيمته مائتي دينار، فيكون رب المال قد اختص بالربح دون الْمُضَارَب. وإما أن يشارِكَه الْمُضَارَبُ في رأس ماله فيأخذ بعضه، وذلك بأن تكون قيمة العرض مائتي دينار يوم العقد، ثم تنقص قيمته، فيبيعه المضارَب مائة وخمسين، ثم يريد أن يرد لصاحب المال مثل عرضه، وقد صارت قيمته مائة دينار، وأخذه، فبقي معه خمسون ديناراً، وهي من رأس المال، فيُشَاركه فيها، وكلاهما بخلاف موضوع المضاربة؛ فلم تجز بالعروض. قلنا: ويكون الربح على ما يشترطان عليه والخسارة على صاحب المال، ولا يظهر في ذلك خلاف. وقد روي عن أمير المؤمنين # أنه قال في الْمُضَارَب يضيع منه المال: لا ضمان عليه، والربح بينهما على ما اصطلحا، والوضيعة على المال(١). قلنا: فإن خالفه كان مُتَعَدِّياً ضَامِناً؛ لما ثبت أنه بمنزلة الوكيل فيما يتصرف فيه، ولا شك أن الوكيل إذا خالف ضمن، فكذلك هذا. قلنا: ولا يجوز له أن يخلطه بغيره، ولا أن يدفعه إلى غيره مضارَبةً، ولا أن يقرضه إلا بإذن صاحبه؛ لأن ذلك كلَّه تعدِّ منه، فلم يجز إلا بإذن صاحبه.
(١) المسند ص ٢٨٢، والأمالي ٢/ ١٢٩٣، وشرح التجريد ٤/ ١٨٩، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٣٠، وعبد الرزاق ٨/ ٢٤٨.