شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب الهدية والإباحة

صفحة 240 - الجزء 1

  يفصل بين قليل وكثير، وكذلك قوله ÷: «لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ»، ومفهوم ذلك أنَّ كلَّ ما طابتْ به النفس حَلَّ، قليلاً كان أو كثيراً. قلنا: وكذلك المريض الذي لا يخاف عليه التلف من مرضه؛ لأنه في حكم الصحيح، ولا خلاف في ذلك، فما جاز من الصحيح جاز منه. وأما المريضُ الذي يُخْشَى عليه التلفُ؛ لثقل مرضه، فإنّ حق الورثةِ قد تعلق بماله، فكما لم يجز من وصيته ما زاد على الثلث إلا بإجازتهم فكذلك هبته، والأظهر أن ذلك إجماعٌ، ويدل عليه ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «إن اللهَ جَعَلَ الثُلُثَ في آخِرِأَعمَارِكُمْ زِيَادَةً في أَعمَالِكُم»⁣(⁣١).

بابُ الهدَّية والإباحة

  مسألة: (الهدية تجري مجرى الهبةِ غيرَ أنها لا تحتاج إلى عقدِ تمليك، ويستغنى فيها بالتسليم، ويملكها الْمُهدَى إليه). والأصل في الهدية ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «الْهَدِيَّةُ تَذْهَبُ بِالسَّخِيْمَةِ»⁣(⁣٢)، وما جرى مجراه من الأخبار. قلنا: إنها تجري مجرى الهبة في إفادة التمليك، وفي سائر أحكام الهبة، إلا أنها لا تحتاج إلى عقد؛ لما ظهر من عمل المسلمين من التهادي والانتفاع بالهدايا والتصرف فيها تصرف المالكين من غير إيجاب ولا قبول، وذلك معلوم من عادة المسلمين، ولم يظهر بينهم فيه خلاف ولا تنازع.


(١) شرح التجريد ٥/ ٢٣٥، والشفاء ٣/ ٤٢٢، والاعتصام ٥/ ٢٤٦، وأصول الأحكام، والبيهقي ٦/ ٢٦٩، والمعجم الكبير ٤/ ١٩٨ رقم ٤١٢٩، وشرح معاني الآثار ٤/ ٣٨٠، ونصب الراية ٤/ ٤٠٠.

(٢) الترمذي رقم ٢١٣٠ بلفظ: «تهادوا فإن الهدية تُذهِبُ وَحَرَالصدر»، ومثله في نصب الراية ٤/ ١٢١، وفتح الباري رقم ٢٤٢٧، وموطأ الإمام مالك ٢/ ٩٠٨ رقم ١٦١٧ بلفظ: «تصافحوا يذهب الغِل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء». والسخيمة: الحقد.