شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب التذكية بالذبح وغيره

صفحة 276 - الجزء 1

  ثعلبة الخشني⁣(⁣١) أنه قال: يا رسولَ الله، إنَّ لِي كِلاباً مكلبة، فأفتني في صيدها، فقال ÷: «إِنْ كَانَ لَكَ كِلاَبٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ». فقال: يا رسولَ الله، ذْكِّي وغير ذْكِّي، فقال ÷: «ذْكِّي وَغَيرُ ذْكِّي». فقال: يا رسول الله، وإن أكل منه، فقال: «وإن أَكَلَ مِنْه»⁣(⁣٢). والفهدُ إذا قبل التعليمَ كان حكمُه حُكْمَ الكلب. قلنا: وما قتله البازي⁣(⁣٣) لم يحل أكله؛ لأنه لا يمسك ما يصيده على صاحبه، وإنما يمسكه لنفسه، ولا يأتمر بأمر صاحبه، ولا يصيدُ إلا وقت جوعه، والشرط في حِلِّ الصيد أن يمسكَ ماصاده لصاحِبِه، كما قال تعالى: {َفَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}⁣[المائدة: ٤]، وكذلك حُكْمُ غيرِه من الطيور، نحو الصَّقْرِ وغيره؛ ولأن حالها في ذلك دون حال الكلب الذي ليس بمعلم. ولا خلاف أنه لا يجوز أكل ما قتله غيرُ المعلم من الكلاب، فكذلك ما قَتَلَتْهُ هذه الطيور. قلنا: وما مات في الأُحبولَةِ لم يجز أكله؛ لأنه ميتةٌ غير ذْكِّي، فيدخل تحت قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}⁣[المائدة: ٣].

  مسألة: (والرابع: ذكاة الضرورة: وهي جرح ما يَنْفِرُ من الأنعام، كالإبل وغيرها حتى لا يقدرَعلى لزومِه، ولا يُتَمَكَّنَ من تذكيته إلا بأن يُرمَى بسهم، أو يُطعَنَ برمح، حتى يُجرحَ ويَموتَ؛ فيجوز أكلُهُ، وكذلك إن وقع


(١) اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً فقيل: اسمه جرهم، وقيل: جرثوم، وقيل: غير ذلك وقد غلبت عليه كنيته، وكان من بايع رسول الله ÷ بيعة الرضوان وضرب له رسول الله ÷ بسهم يوم خيبر، وأرسله رسول الله إلى قومه فأسلموا، ثم نزل الشام ومات أيام معاوية، وقيل: أيام عبد الملك بن مروان. أسد الغابة ٦/ ٤٣، والإصابة ٤/ ٢٩.

(٢) شرح التجريد ٦/ ١٩٩، والشفاء ٣/ ١٣٣، وأبو داود رقم ٢٨٥٧، والبيهقي ٩/ ٢٣٧

، والدار قطني ٤/ ٢٩٣، ونصب الراية ٤/ ٣١٣.

(٣) قالت الحنفية: إذا كان البازي قد قبل التعليم جاز أكل ما صاده وكذلك غيره من الصقور.