باب آداب القاضي
  وروي عن أمير المؤمنين # أنه قال: «القُضَاةُ ثلاثةٌ: قَاضِيَانِ في النَّارِ وقَاضٍ في الجنَّةِ، قَاضٍ قَضَى فَتركَ الحقَّ وهو يعلمُ، وقاضٍ قضَى بغيرِ الحقِّ وهوَلا يعلمُ، فهذان في النار، وقاض قضى بالحق وهو يَعْلَمُ، فَهُوَ في الجنَّةِ»(١).
  فصل: وعند السيد المؤيد بالله قدَّسَ الله روحه، أنَّ كونَهُ عالِماً ليس بشرطٍ في صحةِ قضائه، بل يجوز قضاء المقلِّد(٢)، ووجه ذلك، أن التقليدَ هوطريقُ من قَصُرَعن الاجتهاد، يَتَوَصَّلُ به إلى امتثال مراد الله ø في فروع الأحكام، كما أن الاجتهاد طريقٌ يَتَوَصَّلُ به المجتهد إلى امتثال مراد الله تعالى منه في ذلك، وكما أن الوحيَ طريقٌ يَتَوَصَّلُ به النبي ÷ إلى امتثالِ مراد الله تعالى. فكما جازَ للمجتهدِ أن يحكمَ باجتهاده مع قصور حاله عن حال النبي ÷، كذلك يجوز للمقلِّدِ أن يحكم مع قصور حاله عن حال المجتهد؛ لأن كلَّ ذلك هو تكليفُ من ذكرنا.
  مسألة: (وإذا تقاضي إليه الخصمان وجب عليه المساواةُ بينهما في كل حال)؛ وذلك لما روي عن أمير المؤمنين #: عن النبي ÷ أنه قال: «لاَ تُضيِّفْ أَحَدَ الْخَصمَيْنِ دُوْنَ صَاحِبِهِ». وعنه ÷ أنه قال: «مَنِ ابْتُلِي بِالقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِيْنَ فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ في لَحْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ وَمَجْلِسِهِ، وَلاَ يَرفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصمَيْنِ مَا لم يَرفَعْ عَلَى الآخَرِ»(٣).
(١) المسند ص ٢٩٥.
(٢) انظر التجريد ٦/ ٧٢.
(٣) شرح التجريد ٦/ ٧٢، والشفاء ٣/ ٢٩٤، وأصول الأحكام، وتلخيص الحبير ٤/ ١٩٣ رقم ٢١٠٤ بلفظه، والمعجم الكبير ٢٣/ ٣٨٦ رقم ٩٢٣، ونصب الراية ٤/ ٧٣، ومسند أبي يعلى رقم ٦٩٢٤ بألفاظ مقاربة.