باب الجنايات
  هَنِيئًا مَرِيئًا ٤}[النساء: ٤]، ولم يفصل بين من أكثرَ الإنفاق وبين من أقلَّ منه؛ ولقوله ÷: «لاَ يحِلُّ مَالُ امرءٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيْبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ». وذلك يقتضي أن ما طابت به نفسه، جاز تناوله قلَّ أو كَثُرَ، وما يروى عن الصحابة من الْحَجْرِ على بعض من كَثُرَ إنفاقه، فإنه محمول على أنهم حجروا للديون التي كانت عليهم؛ لأن من كثر إنفاقه لزمته الديون.
باب الجنايات
  مسألة: (والجناياتُ ضربان: عمدٌ وخطأٌ، ولا واسطة بينهما، فالعمدُ: هو أن يقصد الجنايةَ على غيره، والخطأ: ما لم يقصده) وهذه قسمة صحيحة؛ لأنها دائرة بين إثبات القصد ونفيه، فلا يجوز دخول متوسط بينهما(١). وقد روي عن أمير المؤمنين # أنه قال: «الخطأُ مَا أَرادَ القَاتِلُ غَيْرَهُ فَأَخْطَأَهُ فَقَتَلَهُ»(٢). ولا خلاف في أن هذا خطأ.
  مسألة: (وفي العمد القصاصُ إذا كان ممكناً بأن تتميز الجنايةُ ويصحُّ استيفاء مثلها، نحو قتل النفس، ونحو أن يكون قطعاً لعضو معلوم من مفصل معلوم، كاليد والرِّجْلِ والعين والأنف والإصبع والسن، أو جُرحاً معلوماً كالموضحة). وذلك لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}[البقرة: ١٧٨]. وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ
(١) وجعلت الحنفية بينهما واسطاً وهو شبه العمد نحو أن يتعمد الجاني الضرب بما ليس بسلاح قاتل ولا ما جرى مجراه، وقال الشافعي: إنه التعمد بسلاح لا يقتل غالبا.
(٢) المسند ص ٣٤٣، وشرح التجريد ٥/ ٢٠٣، وأصول الأحكام.