باب الجنايات
  بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة: ٤٥]. وإنما قلنا: إذا كانت الجنايةُ متميزةً معروفة الموضع والمقدار؛ لما ثبت من وجوب المماثلة في القصاص؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]؛ وذلك لأنه لا يتم إلا فيما يكون معلوماً دون ما ليس بمعلوم.
  مسألة: (ومتى أمكن القصاص فَوَلُّي الدم في تلك الجناية مخيرٌبين القصاص أو الدية أو العفو)؛ والأصل فيه قول الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ١٧٨]، وما روي عن النبي ÷ أنه قال: «العَمْدُ قَوَدٌ إِلاَّ أَنْ يَعْفُو وَلِيُّ الْمَقْتُولِ»(١). وعنه ÷ أنه قال: «أَلاَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً فَوَلِيُّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ»(٢).
  مسألة: (ومتى لم يجب القصاص، ففي الجناية الأرشُ)؛ وذلك لما روي عن النبي ÷ من إيجاب الأرش في الجنايات التي لا يجب فيها القصاصُ، كإيجابه لثلثِ الدية في الآمَّة: وهي التي تبلغ أمَّ الدِّمَاغ. وإيجابه لثلثها في الجائفة: وهي التي تبلغ الجوف، وإيجابه في المنقلة خمس عشرة من الإبل(٣). فثبت أن الأرش يجب حيث لا يجب القصاص.
  مسألة: (ولا يُقْتَل الأبُ بابنه، ولا حرٌّ بعبد، ولا مسلم بكافر)(٤). أما الأب فإنه لا يقتل بابنه؛ لما روي عن النبي ÷ أنه قال: «لا يُقْتَلُ وَالِدٌ
(١) شرح التجريد ٥/ ٢١٢، وأصول الأحكام، والاعتصام ٥/ ١٦٤، والدار قطني ٣/ ٩٤، و نصب الراية ٤/ ٣٢٧.
(٢) شرح التجريد ٥/ ٢١٢، وأصول الأحكام، والاعتصام ٥/ ١٦٤، والدار قطني ٣/ ٩٤، ونصب الراية ٤/ ٣٢٧. شرح التجريد ٥/ ٢١١، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٣٧١، والترمذي رقم ١٤٠٦.
(٣) شرح التجريد ٥/ ١٧١، والشفاء ٣/ ٣٩٧، والبيهقي ٨/ ٨٠، والدار قطني ٣/ ٢٠١، ونصب الراية ٤/ ٢٦٩، والمستدرك ١/ ٥٥٢ رقم ١٤٤٧، والنسائي رقم ٧٠٥٨.
(٤) قال أبو حنيفة: يقتل الحر بالعبد إلا السيد بالعبد فلا يقتل وكذلك المسلم بالذمي فإنه يقتل به.