شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب الحدود

صفحة 327 - الجزء 1

  مسألة: (والرابع: حَدُّ السَّرِقَةِ: وهو أن يَسْرِقَ البالِغُ العاقلُ من حِرْزٍ عشرةَ دراهمَ أو ما قيمته ذلك⁣(⁣١)، فَتُقْطَعُ يدُهُ اليمنى من الكوع. فإن عاد إلى السرقة قطعت رجله اليسرى. فإن عاد لم يقطع بعد ذلك، بل يحبس حتى تظهرَ توبتُه⁣(⁣٢). ولا قطع على والد إذا سرق من مال ولده. ويقطع الولد إذا سرق من مال والده⁣(⁣٣). ولا يقطع العبد إذا سرق من مال سيده). والأصل في ذلك قول الله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٣٨}⁣[المائدة: ٣٨]. واعتبرنا أن يكون بالغاً عاقلاً؛ لأن الحد عقوبةٌ لا يستحقها إلا المكلف، دون الصبيان والمجانين الذين رفع القلم عنهم؛ لما تقدم من الخبر. ولا خلاف أنه لا يُقْطَعُ إلا البالغُ العاقلُ. واعتبرنا أن تكون السرقة من حِرْزٍ: وهو البيت وما يجري مجراه مِنْ كُلِّ موضع مستوثَقٍ منه بحواجز تمنع المارةَ من الدخول فيه، ولا خلاف في كون ذلك حرزاً. والأصل فيه ما روي عن النبي ÷ أنه سُئِلَ عن التمر المعلق فقال: «لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ فِيهِ، إِلا مَا آوَاهُ الْجَرِيْنُ»⁣(⁣٤). فثبت أنَّ كلَّ موضع حُجِرَعليه بحواجز من بناءٍ أو قصب أو خشب يكون حرزاً، وأنه لا قطع فيما أُخِذَ من غير حرز، وقد روي عنه ÷ أنه قال: «لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ وَلاَ الْمُخْتَلِسِ وَلاَ الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ»⁣(⁣٥).


(١) قال الشافعي: إنه يقطع بربع دينار، وقال مالك: بثلاثة دراهم.

(٢) وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي: يقطع في الثالثة يده اليسرى، وفي الرابعة رجله اليمنى فإن عاد بعد الرابعة حبس.

(٣) قال أبو حنيفة: إنه لا يقطع إذا سرق مال أبيه.

(٤) شرح التجريد ٥/ ١٣٧، وأصول الأحكام، والبيهقي ٤/ ١٥٢ رقم ٧٤٣٠، والدار قطني ٤/ ٢٣٦، وشرح معاني الآثار ٣/ ١٤٦، والمستدرك ٤/ ٤٢٣، رقم ٨١٥١. والجرين موضع التمر الذي يخفف فيه. المختار ص ١٠١.

(٥) الأمالي ٣/ ١٤٢٩ بلفظ: «لا يقطع المختلس ولا المنتهب»، وشرح التجريد ٥/ ١٣٦، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٣٥٠، والاعتصام ٥/ ١١٢، والدار قطني ٣/ ١٨٧ رقم ٣١٠، وشرح معاني الآثار ٣/ ١٧١، والترمذي رقم ١٤٤٨، وأبو داود رقم ٤٣٩١.