شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب الحدود

صفحة 330 - الجزء 1

  فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٣٣}⁣[المائدة: ٣٣]. ولا خلاف فيمن أخاف الطريق وحمل السلاح أنه يُنْفَي، وإنما الخلاف في النفي هل هو الطَّرد، أو الحبس. فعندنا هو الطرد، وهذا هو المفهوم من اسم النفي، والمقصود من نفيه زوال ضرره عن المسلمين. فإن لم يَزُلْ ضررُه إلا بإخراجه عن دار الإسلام جملة أُخْرِجَ عنها. وإنما قلنا: إن ظَفِرَ به الإمام قبل جناية منه عزره على ما يرى؛ لما كان منه من العدوان بإخافة الطريق والخروج للفساد. وللإمام أن يؤدِّبَ على ذلك وأمثاله؛ لحق قيامه بمصالح المسلمين. قلنا: وإن كان قد أخذ شيئاً من المال قطعت يده ورجله من خلاف، فتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى. والأظهر أن ذلك إجماع، ويجب أن يكون المال المأخوذ قد بلغ عشرة دراهم أو ما قيمته ذلك؛ لأن القطع لا يُسْتَحَقُّ إلا في ذلك؛ لما تقدم من قول النبي ÷: «لاَ قَطْعَ فِيمَا دوْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. قلنا: وإن كان قد قَتَلَ أحداً قُتِلَ به ثم صُلِبَ، أما القتل فلظاهر الآية. وإنما قلنا: إذا كان قد قتل، للأدلة التي أوجبت القَتْل على من قتل عمداً كما تقدم. قلنا: ثم يصلب⁣(⁣١)؛ لأن لفظة أو في قوله تعالى: {أَوْ يُصَلَّبُوا}، بمعنى الواو، فهي بمنزلة قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ١٤٧}⁣[الصافات: ١٤٧]، معناه: ويزيدون. وإنما كان بمعنى الواو؛ لأن الإجماع واقع على أن الصلب ليس بحد قائم بنفسه، بل هو تابع لغيره، فبطل أن تكون للتخيير وثبت أنها بمعنى الواو، فكأنه تعالى قال: أن يقتَّلُوا ويصلَّبوا. قلنا: فإن تاب قبل أن يَظْفَرَ به الإمام سقطت عنه هذه الحدود؛


(١) ظاهر قول الشافعي أنه لا صلب عليه.