باب الحدود
  وذلك لأن الله سبحانه عقب ذكر الآية التي فيها أحكام المحاربين وما يجب عليهم بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣٤}[المائدة: ٣٤]، فلزم أن يَسْقُطَ جميع ذلك بالتوبة. ومذهب الهادي # أن المحارب متي تاب قبل القدرة عليه سقط عنه كلُّ ما كان لزمه من حد و قصاص وضمان(١)؛ ووجه ذلك ما تقدم من الآية وما فيها من ذكر الاستثناء، فإنها اقتضت سقوط تلك الأحكام التي لزمت المحاربين قبل التوبة، ولم يكن يلزمهم شيء سواها. بدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، فجعل ذلك جميع جزائهم، فإذا سقط ذلك بالتوبة لم يبق عليهم شيء منه؛ ولذلك كان قتله إلى الإمام دون ولي الدم. ولو عفى الولي لم يسقط عنه القتل. ولو أراد أخذ الدية لم يصح له ذلك، فثبت أن الحدود تكون بدلاً من القصاص والضمان. ولا خلاف أنه لا يقيم الحدود إلا الإمامُ متى وُجِدَ، وقد سقط الحد بالتوبة، فلم يبق عليه شيء من ذلك. وقد روي أن حارثة بن بدر(٢) حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فساداً، ثم تاب من قبل أن يُقْدَرَعليه، فلم يتعرض له إلا بخير(٣). وعند السيد المؤيد بالله قدس الله روحه أن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه سقط عنه الحدّ، ولم يسقط عنه القصاص، ولا الضمان لما أخذه من الأموال؛ ودليله ما دل على وجوب
(١) الأحكام ٢/ ٢٦٣.
(٢) حارثة بن بدر التميمي الغُداني، تابعي، من أهل البصرة. قيل أدرك النبي ÷، له أخبار في الفتوح، وقصة مع عمر، ومع علي وأخبار مع زياد في دولة معاوية وولده. أُمِّر على قتال الخوارج في العراق فهزموه بنهر تيرا (من نواحي الأهواز) فلما أرهقوه دخل سفينة بمن معه فغرقت بم. الإصابة ١/ ٣٧١، والأعلام ٢/ ١٥٨، وابن عساكر ٦/ ١٤٥.
(٣) شرح التجريد ٥/ ١٦٢، والشفاء ٣/ ٣٦٣، والاعتصام ٥/ ١٣٣، والمصنف لابن أبي شيبة ٦/ ٤٤٤، وروي عن أبي موسى الأشعري ما هو بمعناه البيهقي ٨/ ٢٨٤.