باب الجهاد
  وتجري عليهم أحكام المسلمين، والمراد بذلك جميع أقسام المشركين سوى مشركي العرب الذين لا كتاب لهم، فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل؛ وذلك لما روي عن النبي ÷ أنه أُذِنَ له في قريش وجاهليتهم أن يضع فيهم السيف حتى يُسْلِمُوا، ومنعه من كل هدنة، ولم يرض من العرب إلا القتل أو الإسلام(١). وعن أمير المؤمنين # أنه قال: «لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف»(٢). وأما مشركوا العجم فتؤخذ منهم الجزيةُ. وأما أهل الكتاب من العرب والعجم فإن أَبَوا أن يُسْلِمُوا أو سألونا أن يكونوا أهل ذمة قبلنا منهم الجزية، والمراد بأهل الكتاب من العرب هم نصارى بني تغلب؛ فإنهم أُقِرُّوا على ما يدينون به، وأُخِذَ منهم ما صولحوا عليه من المال، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وإنما قلنا: لا يقتل الراهب المتخلي؛ لما روي عن النبي ÷ أنه كان إذا بعث جيوشه قال: «لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ»(٣).
  مسألة: (ومن أُخِذَ منهم أسيراً وكان قد قَتَلَ أحداً من المسلمين قُتِلَ به، وإن كان قد جَرَحَ اقْتُصَّ منه، وإن لم يكن فَعَلَ شيئاً من ذلك، فعل به الإمام ما يرى من حبْسٍ أو إطلاق، ولم يجز قتله إلا أن يظهر منه بعد الأسر كيدٌ للإسلام، وتكون الحربُ قائمةً، فيجوزحينئذ قتلُهُ للإمام). والمراد به الأسير الباغي الذي يكون عوناً لأهل الحرب، ولم يكن منه ما يوجب كفره فإنَّ هذا حكمه، وذلك للأدلة الموجبة للقصاص في النفس والجراح على ما تقدم من
(١) أصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٥٣٥، والاعتصام ٥/ ٤٦٠، ومسلم رقم ١٧٦٦ بلفظ مقارب.
(٢) المسند ص ٣٥٤ - ٣٥٥، والشفاء ٣/ ٥٣٦، والاعتصام ٥/ ٤٦٠، وأصول الأحكام.
(٣) شرح التجريد ٦/ ٢٦٦، وأصول الأحكام، وشرح معاني الآثار ٣/ ٢٢٥، والبيهقي ٩/ ٩٠، والمعجم الكبير ١/ ٢٢٤ رقم ١١٥٦٢، ومسند أحمد رقم ٢٧٢٨، و تلخيص الحبير ٤/ ١٠٣ رقم ١٨٦٤.