السيرة الشريفة المنصورية ج1،

فاضل بن عباس بن دعثم (المتوفى: 700 هـ)

الدعوة العظمى للإمامة مع ذكر البيعة وكتاب الدعوة العامة

صفحة 207 - الجزء 1

  وجل وحقائق الخطاب، وما يتبع ذلك من الأوامر والنواهي، والخصوص والعموم، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، والقصص والأخبار، والعبر والأمثال، بين الدفتين من لدن فاتحته إلى خاتمته، وما يطابق ذلك من سنة نبيه ÷ وأحكام أفعاله وتقريراته، ودلالة الإجماع على أنواعها، وتقرير أوضاعها، وكيفية حمل الفروع على الأصول، وما ينبني على ذلك من معاني الشرع وأدلة العقول، فلم يبق للعلماء جو إلا طرت في أرجائه، ولا بحر إلا سبحت في أثنائه.

  هذا مع النشأة المعروفة بالطهارة من لدن حال الطفولة إلى يوم الناس هذا، والمنصب الذي دونه فلق الصباح، وقوة القلب التي تفل حد الصفاح، عرف ذلك الخاص والعام في مقامات ارتعشت فيها الأقدام، وقل رجع الكلام، مع الإعراض عن الدنيا الدنية، والتحفظ عن المكاسب الردية، واستشعار خوف باري البرية.

  هذا مع الاعتراف لله بالمنة في الهداية، في حال البداية والنهاية، {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠}⁣[النمل: ٤٠]، فلما تقررت قواعد الإمامة ولزمني فرضها، دعوت الناس عموماً إلى كلمة جامعة غير مفرقة، صادقة مصدقة ترجع بها الحقوق إلى أربابها، وتقام الحدود على أصحابها، وتؤخذ الأموال من حلها وترد إلى أهلها، فتشبع بطون غرثى طاوية، وتصبح رسول الظلم خاوية، فلا يبقى من أهلها باقية، فمن أجاب دعوتنا هذه القويمة، وكلمتنا هذه المستقيمة، رجونا أن نلقى جدنا ~ وآله ويكون له شفيعاً؛ لكونه لنا مطيعاً، فقد روينا عن النبي ÷ أنه قال: «دخرت شفاعتي لثلاثة من أمتي: لرجل أحب أهل بيتي بقلبه ولسانه، ورجل قضى لهم حوائجهم لما احتاجوا