السيرة الشريفة المنصورية ج1،

فاضل بن عباس بن دعثم (المتوفى: 700 هـ)

الدعوة العظمى للإمامة مع ذكر البيعة وكتاب الدعوة العامة

صفحة 215 - الجزء 1

  كولي اليتيم ذي العدل، إن كان فقيرا أكل بالمعروف، وإن كان غنياً استعفف، كما قال الله تعالى في ذلك: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}⁣[النساء: ٦]، أترون عبد الله يفتتن بدنيا قد عرف باطنها أتقنَ من معرفة جُلِّكم بظاهرها، وأهتم بآجلها أعظم من اهتمام أكثركم بعاجلها، يأبى الله ذلك عليه ورسوله ÷، وجدود طابت، وحجور طهرت، ومواليد شرفت، ومناكح استنجبت، كيف تكون النفوس النبوية العاملة، كالبهائم الهاملة.

  فعليكم - رحمكم الله - بتقديم التوبة والإنابة، قبل الإقبال والإجابة، فإني آمركم بفعلي قبل الأمر لكم بقولي، وأنهاكم عما أنهى منه نفسي وأهلي، المساوي لي منكم في السن أتخده أخاً، والمتقدم أباً، والصغير ولداً، لا آنَسُ إلا بأهل العلم منكم والطاعة، ولا أنفر إلا عن أهل المعصية والضلالة، ولا أحتجب عنكم بمراكمات الستور، بل أواسيكم بنفسي في جميع الأمور، أذاكر عالمكم في معاني علمه، وأدل جاهلكم إلى سبيل رشده، وكيف لا أفعل ذلك والله عز من قائل يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}⁣[الأحزاب]، {وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ٦}⁣[الممتحنة: ٦]، ونحن أولى الناس بالتأسي به؛ لأنا لحمه ودمه ولحمته وذريته، وقد حكى الله سبحانه عن المشركين أنهم عابوا عليه اختلاطه بالناس ومشيه في الأسواق فقال سبحانه حاكياً عنهم: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}⁣[الفرقان: ٧]، ولن نقفو إن شاء الله إلا أثره، ولن نسلك إلا منهاجه؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ