خروج إسماعيل إلى صنعاء والأحداث
  طرقت أسماعكم فما كان الباعث لنا لهذا الكتاب إلا كتاب الأمير المكين وردسار إلى السلطان المكين هلدري بن أحمد المرواني تولى الله تثبيته، ودعاه إلى طاعة السلطان، فأمر بهذا الكتاب تأكيداً للحجة، وإعذاراً وإنذاراً إليكم، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم، فإن قبلتم النصح سعدتم، ورشدتم، وإن كرهتم لم تضروا إلا أنفسكم، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم، ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض، وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، فهلم تولى الله إرشادكم إلى سنة النجاة، والسلامة في الدنيا ويوم القيامة، ومن استطاع منكم أن ينصح سلطانه فإنه يجب عليه من طاعتنا مثل ما يجب عليكم، وإنا نبذل له الإنصاف الذي يليق بمثله، من تسويغه ما في يده، وإقراره على ما في ملكه، على أن يخلص لله سبحانه نيته، ويمحض توبته، ويقبل على عبادته، فما أحسن من ملك شاب تقي، مقبل على طاعة الملك العلي، مجاهد بين يدي عترة النبي ÷، فليس بأول ملك آثر الآخرة على الدنيا، وعمل في الأولى للأخرى، فكيف به وملك مقر في يده على أحسن قضية، ونعوذ بالله أن يعترضه ما اعترض بعض الملوك، وقد بعث الله إليه نبياً من أنبيائه، فقال له ذلك النبي: أيها الملك أرسلني الله إليك أدعوك إلى طاعته على أن يؤتيك ثلاث خلال:
  الأولى منها: أن يردك شاباً، ويقرك على ملكك، ويدخلك الجنة.
  ففكر في نفسه فعلم أنه قد أنصف، فقال: أفعل، فدخل عليه وزيره المخذول، فقص عليه القصص، فقال: ما جاءك بشيء:
  أما قوله: يقرك على ملكك، فمن قد غلبك عليه حتى يرده عليك.
  وأما رده لك شاباً: فإنما يأتي بخضاب يسود شعرك، وأنا أفعل ذلك لك.
  وأما وعده لك بالجنة: فإنما وعدك أمراً غائباً، لا تدري أيكون أم لا يكون، فكان ذلك سبب هلاكه، وزوال ملكه، ولو قبل النصح لكان من الفائزين.
  وقد علمتم تشفقنا عليكم مرة بعد أخرى، نقول لعل الله عطف قلوبكم إلى الحق، فأنتم رجال الدنيا، وأهل الصبر في المواطن، ونريد أن تكونوا رجال الآخرة، وأن يكون جهادكم هذا لله، وبين يدي عترة رسول الله ÷، فإنه ~ وآله يقول: «ذخرت شفاعت لثلاثة من أمتي: رجل أحب أهل بيتي بقلبه ولسانه، ورجل قضى لهم حوائجهم لما احتاجوا إليه، ورجل ضارب بين أيديهم بسيفه»، ولو أردنا وضع السيف لوضعناه، ومن لم يكابر عرف الصنع.
  وإنا أمرنا من يحفظكم من العرب حتى بلغتم مأمنكم، ثم قلبتم لنا ظهر المجنّ، وأوقدتم نار الفتن، وسننتم سنن البغي، واستخففتم بشرع الرسول ÷، نخربُ بيوت الخمر فتعمرونها، وننفس أرباب الفساد فتؤونهم، وتقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وتصلون ما أمر الله به أن يقطع من أعداد فئتكم.
  ومن لنا بمن يعلم فنعلمه قصة من يعلم، هذا الشافع محمد بن إدريس القرشي كان داعياً ليحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب #، وهو القائل:
  يا راكباً قف بالمحصب من منى ... واهتف بواقف خيفها والناهض
  سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ... زمراً كملتكم الفرات الفائض
  قف ثم ناد بأنني لمحمد ... ووصيه وابنيه لست بباغض
  إن كان رفضاً حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
  ومن قوله:
  إذا كان ذنباً حبُّ آل محمد ... فذالك ذنب لست عنه أتوبُ