فتح مأرب وبيحان وما يتعقبهما من الأحداث الكبار
  ولما وصل إليهم الكتاب وقرأوه اضطربت أحوال فقيههم وادعى الجهل، وذكر ذلك في الجواب، وأنهم يؤذنون بحي على خير العمل، ولكنهم لا يقدمون علياً # للعادة التي قد جروا عليها، وأنكرت ذلك أنفسهم وظهر منهم قلة الانقياد، وراح الوالي منهم، ومن كان معه وبينوا خلافهم، فأمر الإمام # بمناد في أسواق الجوف بقطعهم من البلاد، وجعل لمن كان منهم حاضراً الأمان ثلاثة أيام، وأمر برد الملح الذي وصلوا به إلى مأرب فردوه، وضاقت عليهم أحوالهم من قطعهم من البلاد، ولم يستطيعوا الصبر على ذلك فنزلوا منزلة وقالوا: نقيم الخطبة والأذان، ونقطع ذكر بني العباس في الخطبة، وسألوا المسامحة بتقديم علي #، فازداد الإمام # عليهم في ذلك شدة ولم يقبل منهم إلا تقديمه، وكتب إليهم يبين فيه فضله وتقدمه وسبقه وأنه أولى بالتقديم، كتبه بخطه في آخر كتاب وهو:
  وأما ما ذكرتم من التقديم في الخطبة: فلم نقدم علياً شهوةً ولا هوى، ولا قدمناه إلا لأن الله سبحانه قدمه في كل مكرمة، لم يسجد لصنم أبداً، ولم يتأخر في حرب عن الحومة العظمى، حتى كانت كلمة الله هي العليا، وكلمة الشيطان وحزبه السفلى، ومنه ذرية رسول الله ÷ الحسن والحسين إماما أهل الدنيا، وهو وارث سلاح رسول الله ÷ وعلمه لا يخالف في ذلك أحد من العلماء، وأمسّ الخلق برسول الله ÷ رحماً، وهو خامس أصحاب الكساء، وقد وقعنا نحن وإياكم في فرقة عمياء لا رضيتمونا إلى الله تعالى أدلاء فنوطيكم المحجة البيضاء، ولا نزلتم منزلة العلماء فنحاكمكم إلى كتاب الله وسنة المصطفى؛ إنما هو فجر أو بجر، فلا تركبوا الدهماء، فتخسروا الآخرة والدنيا، وارضوا بنا أئمة نرضاكم لنا تبعاً، ولا تأخذكم حمية الجاهلية الجهلاء.