التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا 4 فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 5 ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8}

صفحة 4159 - الجزء 6

  العمل «فَلَهَا» قيل: معناه فإليها كقوله: {أوحَى لَهَا}⁣[الزلزلة: ٥] أي: أوحى إليها، عن ابن جرير، إلا أنه ذكر (لها) لتقابل أحدها مع أن حروف الإضافة يقع بعضها موقع بعض إذا تقاربت فمعنى أنت منتهى الإساءة، وأنت المختص بإلاساءة يتقاربان، وقيل: فعليها، كقوله: {فَسَلامٌ لَّكَ}⁣[الواقعة: ٩١] أي: عليك، وقيل: إن أحسنتم بالتوبة رددت لكم الكرة، فتكونون محسنين إلى أنفسكم، وإن أسأتم فإليها، إِذَنْ يتسلط العدو عليكم، عن أبي مسلم، وقيل: لها الجزاء، والجزاء العقاب، وإذا أمكن حمل الكلام على ظاهره فلا معنى للعدول عنه، وهذا كله على أن الخطاب في قوله: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} لبني إسرائيل، وهو نسق الكلام، ويحتمل أن يكون خطاباً لأمة نبينا محمد صلى اللَّه عليه فيكون اعتراضاً بين القصة، كما يفعل الخطيب يحكي ثم يعظ، ثم يعود إلى الحكاية، فكأنه لما بين أن بني إسرائيل لما عاثوا سلط اللَّه عليهم قوماً، فلما تابوا قبل اللَّه توبتهم، وأظفرهم على أعدائهم، خاطب أمتنا بأن من أحسن فجزاؤه له، ومن أساء فجزاؤه له حثاً على الطاعة، وزجرًا عن المعصية {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} أي: المرة الآخرة من إفسادكم، قيل: بالقتل والظلم، وقيل: بقصدهم قتل عيسى وقتل يحيى @، ثم اختلفوا فيمن جاءهم في هذه الدفعة، قيل: الفرس والروم، فقتلوهم وسبوهم، وأخذوا بلادهم، بعد أن كانوا الملوك على الناس، وقيل: جاءهم [بختنصر]، عن الأصم، وقيل: لم يزل دم يحيى # [يفور] حتى قتل [بختنصر] سبعين ألفاً، أو اثنين وسبعين ألفاً ثم سكن الدم، حكاه الأصم، وقيل: الأصح الأول، واللَّه أعلم {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} قيل: ليسوأنكم، وذكر الوجه، لأن فيها يظهر السرور والحزن، عن أبي مسلم، وقيل: ليحزن وجوهكم.