قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا 4 فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 5 ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8}
  ومتى قيل: إذا كان القوم كفارًا كيف سلط عليهم؟
  قلنا: في الكرة الأخرى لم يضف الإرسال إلى نفسه، ولا أضاف القوم إلى نفسه إضافة تشريف، ولكن أطلق وقال: «لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ»: «وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ» أي: مسجد بيت المقدس ونواحيه «كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ» إنما أضاف الدخول أول مرة إلى هَؤُلَاءِ وإن كان بين الدخولين مدة عظيمة، لأنهم كانوا في ذلك الأصل راضين بفعلهم، نشؤوا على طريقتهم فجاز الإخبار عنهم كما يعاتب الأبناء بصنيع الآباء، وقيل: يحتمل أن يكون القوم في الكرتين واحداً، والمدة بينهما قريبة فلا مانع، وقيل: إن الثانية كانت أشد من الأولى بكثير لأن [بختنصر] أحرق كتبهم، وخرب مساجدهم، وقتل رجالهم، وسبى ذراريهم، وغنم أموالهم «وَلِيُتَبِّرُوا» أي: ليهلكوا ويدمروا «مَا عَلَوْا». أي: ما غلبوا عليه من بلادكم «تَتْبِيرًا» أي: هلاكاً «عَسَى رَبُّكُمْ» قيل: عسى من اللَّه واجب «أَنْ يَرحَمَكُمْ» ربكم يا بني إسرائيل بعد انتقامه منكم إن تبتم «وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا» وقيل: إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة، عن ابن عباس، وقتادة. فعادوا فبعث اللَّه تعالى عليهم محمداً ÷ فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وقيل: إن عدتم إلى التوبة عدنا إلى المغفرة، وقيل: إن عدتم إلى التوبة عدنا إلى القبول «وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا» قيل: محبساً، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وابن زيد، وقيل: حصيرًا أي: مهاداً كقوله: (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ) عن الحسن، وقيل: حصيرًا بمعنى محصر كرضي بمعنى مرضي.