التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ إبراهيم 69 إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون 70 قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين 71 قال هل يسمعونكم إذ تدعون 72 أو ينفعونكم أو يضرون 73 قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون 74 قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون 75 أنتم وآباؤكم الأقدمون 76 فإنهم عدو لي إلا رب العالمين 77 الذي خلقني فهو يهدين 78 والذي هو يطعمني ويسقين 79 وإذا مرضت فهو يشفين 80 والذي يميتني ثم يحيين 81 والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين 82 رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين 83 واجعل لي لسان صدق في الآخرين 84 واجعلني من ورثة جنة النعيم 85 واغفر لأبي إنه كان من الضالين 86 ولا تخزني يوم يبعثون 87 يوم لا ينفع مال ولا بنون 88 إلا من أتى الله بقلب سليم 89 وأزلفت الجنة للمتقين 90 وبرزت الجحيم للغاوين 91 وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون 92 من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون 93 فكبكبوا فيها هم والغاوون 94 وجنود إبليس أجمعون 95 قالوا وهم فيها يختصمون 96 تالله إن كنا لفي ضلال مبين 97 إذ نسويكم برب العالمين 98 وما أضلنا إلا المجرمون 99 فما لنا من شافعين 100 ولا صديق حميم 101 فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين 102 إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين 103 وإن ربك لهو العزيز الرحيم 104}

صفحة 5366 - الجزء 7

  ليست بحية، يعني كيف تعبدون جماداً لا ينفع ولا يضر؟ وعبادة مثل هذا تقبح في العقل؛ لأن العبادة تحسن لأجل فعل النعم واستحقاقها بالإلهية «قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ» كأنهم قالوا: لا تسمع ولا تنفع ولا تضر، وبينوا أنهم سلكوا في عبادتها طريقة التقليد لا طريقة الحجاج فقالوا: كان آباؤنا يفعلون كما نفعل في عبادة الأصنام «قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ»، الأولون «فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي» قيل: عدو لي يوم القيامة إن عبدتهم في الدنيا، وقيل: أراد بالعداوة عداوة عُبَّادها، فإن من عادى المعبود فقد عادى عبدته، وقيل: أراد بالعداوة البراءة، وقيل: أراد لو كان حياً ودعا إلى عبادته استحق العداوة، فسماه عدواً مجازاً، عن أبي علي. وقيل: معناه أنا عدو لهم، عن الفراء. وقيل: لم يرد العداوة ولكن أخبر أنهم لا يصلحون للعبادة، وقيل: إنه كقوله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}⁣[مريم: ٨٢] والمراد التوبيخ «إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ» فإنه معبودي الذي أحب عبادته وأعبده.

  ثم وصفه بما يدل على كمال قدرته وسبوغ نعمه وأنه سبحانه المستحق للعبادة، فقال: «الَّذِي خَلَقَنِي فهُوَ يَهْدِينِ» لأن جميع النعم تتم بالهداية، وقيل: يدلني على سبيل الخير، وقيل: إلى الجنة، كلفني في الدنيا بعبادته ويهديني في الآخرة إلى جنته، وقيل: يؤيدني بألطافه «وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ»، فأضاف المرض إلى نفسه؛ لأن أهل اللغة يقولون: مرض فلان، فيضاف إليه، وقيل: لأن قومه كانوا يعدّونه عيباً فاستعمل حسن الأدب، وأضاف الشفاء إليه لا أنه منه، وقيل: إذا مرض بالذنوب شفاني بالتوبة، عن الصادق. «وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ» ليؤجلني إلى الجزاء «وَالَّذِي أَطْمَعُ» أرجو، وهذا طمع يقين، وإنما ذكر الطمع تلطفاً في الاستدعاء «أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي» قيل: الصغائر، وهي وإن وقعت مغفورة فيجوز طلب المغفرة انقطاعاً إليه وتجديدًا للتوبة، وقيل: فيه فوائد:

  أولها: الاعتراف بالخطأ.

  والثاني: الانقطاع إلى اللَّه.