قوله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين 20 وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ 21 قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير 22 ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير 23 قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين 24 قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون 25}
  «وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ» قيل: حافظ يحفظ عليهم ليجازيهم على أفعالهم «قُلِ» يا محمد لهَؤُلَاءِ المشركين: «ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ» يعني: زعمتم أنها آلهة من دون الله، وهي الأوثان، فادعوهم إذا نزل بكم العذاب، وليس هذا بِأمْرٍ؛ وإنما هو توبيخ؛ ليعلموا أن تلك الأوثان لا تنفعهم، ولا تضرهم، فقال سبحانه: «لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ» أي: لا يقدرون على مثقال ذرة، قيل: من أرزاق العباد، وقيل: من خير وشر ونفع وضر، وقيل: لما نزل من السماء وما نبت من الأرض، عن ابن عباس. وقيل: لا يملكون من أعيان السماوات والأرض قدر ذرة؛ لأنه تعالى يتفرد بخلقها والقدرة عليها، والمراد بالذرة المبالغة في النفي على عادة العرب، وإلا فهو لا يملك أقل من ذلك أيضًا «وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ» أي: الأوثان في السماوات والأرض شركة، ومثل هذا كيف يكون إلهًا؟
  ومتى قيل: إذا نفى ملك ذرة فلم قال: «وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ»؟
  قلنا: نفى ملك ذرة على وجه الانفراد، ثم نفى الشركة والإعانة وانقطع ملكهم أصلاً.
  ثم بَيَّنَ أنه لا شفاعة لهم أيضًا إزالة لقولهم، فقال سبحانه: «وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ» أي: عند الله تكذيبًا لهم في قولهم: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس ١٨]، «إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ» فاستثنى من عِنده: الملائكة والنبيين، حيث أذن لهم في الشفاعة فلا تنفع شفاعة أحد إلا من أذن له بالشفاعة، وهذا نفي لشفاعتهم، وقوله: «لَهُ» قيل: يرجع إلى الشافع، وقيل: إلى المشفوع «حَتَّى إذَا فُزِّعِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ» يعني: كشف الخوف من قلوبهم «قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ» اختلَفوا في المضمرين في قوله: «قُلُوبِهِمْ» وفي قوله: «قَالُوا مَاذَا قَال»، و «قَالُوا الحَقَّ»، قيل: هم المشركون الَّذِينَ تقدم ذكرهم، والمعنى: حتى إذا كشف الفزع، فيخرج عن قلوبهم الفزع وقت النزع ليستمعوا كلام الملائكة، فتقول الملائكة لهم: ماذا قال ربكم؟ قال هَؤُلَاءِ المشركون مجيبين لهم: قال الحق، والحالة حالة النزع، و «قُلُوبهم» تعود إلى الكفار، و (قَالُوا) إلى الملائكة و (قَالَ) الآخر إلى الكفار، وفيه إضمار؛ أي: قالوا: قال الحق، عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد. والفزع: ما ينالهم من فزع الموت. وقيل: هذا يكون بعد الخروج من القبور، يعني: إذا كشف الفزع عن قلوب