التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ص والقرآن ذي الذكر 1 بل الذين كفروا في عزة وشقاق 2 كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص 3 وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب 4 أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب 5}

صفحة 5970 - الجزء 8

  كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ» قيل: في عزة أي: تكبر عن قبول الحق، وحمية جاهلية، عن قتادة. كقوله: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}⁣[البقرة: ٢٠٦]، وقيل: «في عِزَّةٍ» أي: مَنَعَةٍ واقتدار بتمكين الله إياهم فيقروا به، وقيل: في مُعَازَّة، يريدون أن يكونوا أعز وأرفع، ولا يكونوا تبعًا، «وشقاق» أي: عداوة وعصيان ومخالفة، والشقاق: المخالفة، عن ابن زيد. «كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ» أي: كم أهلكنا قبل هَؤُلَاءِ الكفار من جماعة بعد جماعة «فَنَادَوْا» يعني: حين أصابهم العذاب نادوا نداء مستغيث بالإيمان «وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ» قيل: ليس حين مهرب وفرار، وقيل: لا مَنْجَى، عن أبي علي.

  والمناص: المَنْجَى، وقيل: النوص الفوت؛ أي: ليس هذا حين فوت، قال ابن عباس: كل كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا قالوا: مناص، أي: اهربوا، فأنزل اللَّه تعالى «وَلاَت حِينَ مَنَاصٍ»، «وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ» أي: تعجبوا بأن جاءهم منذر رسول منهم ينذرهم أي: يخوفهم بالعذاب «وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ» فيما يدعي، فراموا دفع الحجة بالشنعة ونبز الألقاب كما تفعله المبتدعة بأهل الحق فبئس زماننا هذا «أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا» هو استفهام منهم، والمراد به التعجب والمبالغة فيه والإنكار، أي: أجعل للعالم إلهًا واحدًا، إذ أبطل جميع الآلهة وجعل العبادة لإله واحد «إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ» أي: متناهٍ في الأعجوبة، وإنما تعجبوا لأنهم عدلوا إلى التقليد والإلف، ولو تفكروا في الأدلة لعلموا صحة ما جاء به.

  · الأحكام: يدل قوله: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} أنَّه من جنس الأذكار، وأنه مؤلف، ويدل على حدثه، وإذا حمل على القسم كأنه قيل: ورب ص، فيدل على حدثه؛ لأنه يدل على أنه مربوب.