التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والضحى 1 والليل إذا سجى 2 ما ودعك ربك وما قلى 3 وللآخرة خير لك من الأولى 4 ولسوف يعطيك ربك فترضى 5 ألم يجدك يتيما فآوى 6 ووجدك ضالا فهدى 7 ووجدك عائلا فأغنى 8 فأما اليتيم فلا تقهر 9 وأما السائل فلا تنهر 10 وأما بنعمة ربك فحدث 11}

صفحة 7455 - الجزء 10

  واختلفوا لِمَ خص الضحى؟ قيل: لأنه الوقت الذي كلم الله فيه موسى، وقيل: هو الوقت الذي ألقي السحرة سجدًا، وكذلك قال: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}⁣[طه: ٥٩]، وقيل: القسم برب الضحى، وذكره لما فيه من دلائل القدرة والوحدانية والمنافع والنعم «وَاللَّيلِ» وقيل: أقسم بالليل، وقيل: برب الليل «إِذَا سَجَى» قيل: أقبل بظلامه حتى غشي كل شيء، عن الحسن، [و] قيل: هدأ وسكن بالخلق، عن قتادة، ومجاهد، وابن زيد، وأبي علي. ومعنى سكن أي: سكن الخلق فيه، وقيل: سجى: استوى، واستقر بظلامه «مَا وَدَّعَكَ» هذا موضع القسم، قيل: ما تركك منذ اختارك، يعني لا يخليك من عادة الإحسان والوحي والنصرة، وقيل: ما قطع الوحي عنك، عن أبي علي. «وَمَا قَلَى» أي: ما قلاك، فحذف الكاف لدلالة الكلام عليه، ولأجل رؤوس الآي، يعني وما أبغضك منذ أحبك، عن ابن عباس، والحسن، وابن زيد. وذلك لأنه لم يفعل شيئًا يوجب البغض، ولا يجوز على الله تعالى أن يبغض أحدًا من أنبيائه $ «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى» أي: ما أعد لك من الثواب الدائم والرفعة في الدار الآخرة خير لك من الدنيا؛ لأنها تنقطع، عن أبي علي. وقيل: ما أوحى لك من النصرة والفتوح في آخر عمرك خير لك مما عجلت لك منها، وقيل: منزلة الشفاعة خير لك، وقيل: الثواب للآخرة على ما نالك من الهم بتأخر الوحي خير لك، وقيل: له في الجنة ألف قصر من اللؤلؤ، ترابه المسك، وفيها كل ما تشتهي على أتم الوصف، عن ابن عباس. «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ» قيل: هذا في الدنيا، أي: يعطيك من النصر على الأعداء، والتمكين في البلاد، وتتابع الفتوح، وكثرة المؤمنين، وإظهار الدين ما ترضى، وقيل: هو في الآخرة، ثم اختلفوا، فقيل: يعطيك من الثواب ما ترضى، وقيل: هو مقام الشفاعة يعطيه، فيرضى بذلك، وعن الصادق: رِضَى جدي ألّا يبقى في النار موحِّدٌ، يعني مؤمنًا، وعن ابن عباس: رِضَى محمد ألّا يدخل أحد من أهل بيته النار، وعن علي: أرجى آية في كتابه الله تعالى هذه الآية، وهي الشفاعة.

  «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى» فيه قولان:

  أولهما: أي: مات أبواه، وهو صبي، ولم يخلفا مالاً ولا مأوى يأويه إليه حتى