قوله تعالى: {والضحى 1 والليل إذا سجى 2 ما ودعك ربك وما قلى 3 وللآخرة خير لك من الأولى 4 ولسوف يعطيك ربك فترضى 5 ألم يجدك يتيما فآوى 6 ووجدك ضالا فهدى 7 ووجدك عائلا فأغنى 8 فأما اليتيم فلا تقهر 9 وأما السائل فلا تنهر 10 وأما بنعمة ربك فحدث 11}
  حببه إلى أبي طالب، فكان أحب إليه من أولاده، ورباه وكفله، وقيل: مات أبوه، وهو في بطن أمه، وقيل: بعد الولادة بمدة، وقيل: ماتت أمه، وهو صغير، ومات عبد المطلب، وكان يتولى تربيته، وهو ابن ثماني سنين، فسلمه إلى أبي طالب؛ لأنه كان أخا عبد الله لأمه، فربَّاه.
  ومتى قيل: ما السبب في يتمه؟
  قلنا: قيل: لئلا يكون عليه لمخلوق حق، عن جعفر بن محمد @، وقيل: لئلا يسبق إلى النفوس أن عزه عن توارث، أو تظاهر عشيرة، وكذلك سبب فقره؛ لئلا يظن أنه تقوَّى بالمال، وقيل: ليكون للأيتام والفقراء به سلوة واقتداء.
  وثانيهما: ألم يجدك واحدًا في فضلك وشرفك واستصلاحك لما رسخت له لا نظير لك، فآواك الله لذلك، كما يقال: درة يتيمة: إذا لم يكن لها مثلٌ، عن مجاهد.
  «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى» فيه قولان:
  أولهما: أنه أراد الضلال والهداية في الدين.
  والثاني: أنه أراد في الدنيا وأسبابها.
  فأما من قال بالأول اختلفوا: فقيل: وجدك ضالًّا عما أنت عليه من الوحي والنبوة ومعالم الشريعة والأحكام لم تكن تعرفه؛ بل كنت غافلًا عنه، فهداك الله إلى ذلك، عن الحسن، والضحاك، وشهر بن حوشب، وابن كيسان، وأبي علي. وقال أبو علي: وضلاله عن ذلك لم يكن معصية؛ لأن الله تعالى لم يكن آتاه ذلك، ونظيره: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}[الشورى: ٥٢]، وقوله: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[يوسف: ٣]، والضلال على هذا: الذهاب عن العلم، قال الله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}[البقرة: ٢٨٢]، وقال تعالى: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}[الشعراء: ٢٠] أي: لم أعلم.
  وقيل: وجدك من قوم ضلال، وكنت واحدًا منهم، فهداك للتوحيد والنبوة، عن الكلبي.