التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم 282}

صفحة 1075 - الجزء 2

  أحدهما: تخليص المشترك لأن «تداينتم» يرد بمعنى تجازيتم، وبمعنى تعاملتم بدين.

  الثاني: التأكيد على جهة تمكين المعنى في النفس كقوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}.

  وقوله تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}.

  «إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» وقت مسمى، وقيل: نزلت الآية خاصة في السَّلَم، عن ابن عباس، وقيل: في كل دين وثمن بمبيع مُسَلَّمٍ وغيره، وعليه المفسرون والفقهاء، مُسمَّى أي مذكور معلوم «فَاكْتُبُوهُ» أي اكتبوا الدين؛ لئلا يقع فيه نسيان أو جحود، واختلفوا في هذه الكتابة، فقيل: هو ندب، عن أبي سعيد الخدري والحسن وعليه الأكثر، وقيل: فرض، عن الربيع وكعب، وقيل: كانت الكتابة والإشهاد والرهن واجبًا فنسخ بقوله تعالى: «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» الآية، عن الشعبي والأول الوجه؛ لأنه ليس ببعيد، وإنما هو استيثاق بحقوق الناس، ثم بين كيفية الكتاب فقال تعالى: «وَلْيَكْتُبْ بَينَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ» يعني وليكتب كتاب المداينة أو البيع بين المتعاقدين كاتب بالعدل أي بالحق والإنصاف، ولا يزيد فيه ولا ينقص، ولا يكتب شيئًا يضر بأحدهما إلا بعلمه «وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ» لا يمتنع «أَنْ يَكتُبَ كمَا علَّمَهُ اللَّهُ» قيل: الكتابة واجبة على الكفاية كالجهاد ونحوه، عن الشعبي وجماعة من المفسرين، وقيل: واجب على الكاتب في حال فراغه، عن السدي منسوب من غيره إلى سدة المسجد، وقيل: واجب إذا أمر، عن مجاهد وعطاء والربيع، وقيل: نسختها: «وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ» والعمل على القول الأول «فَلْيَكتُبْ» أمر للكاتب، وكانت الكتبة فيهم قلة على عهد رسول اللَّه ÷؛ فلذلك أكد بقوله: «فَلْيَكتُبْ» ثم بين كيفية الإملاء على الكاتب فقال تعالى: «وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيهِ الْحَقُّ» يعني المطلوب المدْيون يقر على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه فليكتب «وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ» أي يتقي مخالفة أمره «وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا» لا ينقص من الحق شيئًا، ثم بَيَّنَ تعالى حال من لا يصح منه الإملاء،