ومن سورة الإسراء
  فقوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ} فهو: إخبار منه أنه لا يريد إهلاك قرية إلا من بعد العصيان منها له، والمخالفة لأمره، وقوله {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا}، يقول: أمرناهم بالطاعة، فأتوا بالفسق والمعصية، فحق عليها القول منا وهو الحكم منه بمواقعه الوعيد لهم، ووقوع العذاب عليهم، {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ١٦} يريد: أهلها لأجدُرها وأبنيتها.
  ١٣٣ - وسألت أكرمك الله: عن قول الله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء: ٤٤]؟
  واعلم أن معنى هذا وأحسن ما يؤول في فهمنا، أن الله تبارك وتعالى أراد بذلك: أنه ليس من شيء إلا وفيه من أثر صنعه وتدبيره وتقديره، ما يدل على جاعله ومصوره، ويوجب له سبحانه على من عرف أثر صنعته فيه التسبيح والتهليل، والإقرار بالوحدانية والتبجيل، عند تفكُّر المتفكر، واعتبار المعتبر، بما يرى من عجائب فعله ﷻ، فيما خلق من عروق الأشجار الضاربة في الثراء، وفروعها الباسقه في الهواء، وما يكون منها من ثمار مختلفة شتَّى. فإذا نظر إلى أثر تدبير الجبار فيها أيقن بالصنع، وإذا أيقن بالصنع أيقن بالصانع، وإذا استدل على الصانع ثبتت معرفته في قلبه، ورسخت وحدانيته في صدره، فإذا ثبتت المعرفة في قلب المعتبر، وصحت في جوارح الناظر، نطق لسانه بالتسبيح لجاعل الأشياء، وظهرت منه العبادة لصانعها.
  فهذا معنى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}، لمَّا كان في الأشياء كلها الدليل على جاعلها، وفي الدليل على جاعلها ما يوجب الإقرار به، وفي الإقرار به ما يوجب ذكره بما هو أهله من التقديس والتبجيل، والتسبيح والمعرفة، والإقرار لقدرته، جاز أن يقال: {يُسَبِّحُ} إذ كان بسببه التسبيح من المسبِّح، المستدِّل على