تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الإسراء

صفحة 293 - الجزء 1

  فكذلك قوله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}، يريد: وإن من شيء إلا وهو يوجب التسبيح على من اعتبر ونظر، وفكر في أثر صنع الله بما فيه، فجاز أن يقال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}، لما أن كان أثر الصنع فيه موجباً للتسبيح لصانعه، على المعتبرين من عباده.

  فأما قوله: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، فهو ذم لمن لم يعتبر ويستدل بأثر الصنع في الأشياء، فقال: {لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، يريد: لا تفقهون ما به من أثر الصنع فيها، الذي يوجب التسبيح للصانع والإجلال والتوقير. فكان ذلك ذماً لمن لا يعتبر ولا يتفكر، ولا يحسن التمييز في أثر صنع الله، فيعلم بأثر صنعه ما يستدل به على قدرته، ويُصح لربه ما يجب لمعرفته، من توحيده والإقرار بربوبيته.

  وأما قوله: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ٦}⁣[الرحمن: ٦]، فقد قال بعض العلماء: إن معنى السجود: سجود ظلال الأشياء، ووقوعها على الارض. وقال بعضهم: إن هذا على المَثَل، يقول: إنه لو كان في شيء من الأشياء، من الفهم والتمييز مثل ما جعل الله في الآدميين والشياطين، والملائكة المقربين، إذا لعَبَدَ الله كُل شيء وسبحه بأكثر من عبادة الآدميين وتسبيحهم.

  فجعل هذا مثلاً كما قال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ...}⁣[الأحزاب: ٧٢] الآية، أراد تبارك وتعالى: أنه لو كان في السموات والأرض والجبال من الفهم والتمييز ما في الآدميين، ثم عرض عليها ما عرض على الآدميين من حمل الأمانات التي قَبِلها الآدميون، لأشفقت السموات والأرض والجبال من حملها، ولما قامت بما يقوم به الآدمي من نقضها، مع ما في الأمانة من الخطر، وعظيم الأمر، على من لم يؤدها على حقها، ويقم بها على صدقها.