ومن سورة الكهف
  من ذلك قول الله سبحانه: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ١}[القيامة: ١] وقوله: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ١ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ٢}[البلد: ١ - ٢]، فقال: {لَا أُقْسِمُ}، وإنما أراد: ألا أقسم، فطرح الألف منها فخرج لفظها لفظ نفي، وهي قسم وإيجاب، وقال في عبده ونبيه يونس صلى الله عليه: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ١٤٧}[الصافات: ١٤٧]، فقال: أو يزيدون، فأثبت الألف وهو لا يريدها، فخرج لفظ الكلام لفظ شك، ومعناه: معنى إيجاب وخبر، أراد سبحانه: وأرسلناه إلى مائة ألف ويزيدون على مائة ألف، فأراد بقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا} التقريع لهم والتوقيف لنبيه على كذبهم، لا ما يقول الجاهلون إنه خبر عن فعله بهم، ألا ترى كيف يدل آخر الآية على أولها، من قوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ٥٧}، يقول: فإن كان الأمر على ما يقولون، وكنا قد فعلنا بهم ما قد يذكرون، فَلِمَ أرسلناك تدعوهم إلى الهدى، وتزجرهم عن الردى، وهم لو كانوا كذلك، وكنا فعلنا بهم شيئاً من ذلك، ثم دعوتهم إلى الهدى لم يطيقوا أن يهتدوا إذا أبداً. ألا تسمع قوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ٥٧} فقال: إذا، يريد: إن كان ما يقولون علينا، مما ذكروا أنه على أبصارهم وأسماعهم وقلوبهم فعلاً منا بهم، فلن يهتدوا إذا أبداً، إن كنا منعناهم بذلك عن الاهتداء، فكيف نرسلك إلى من لا يستطيع أن يهتدي، ولا