تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الأنبياء

صفحة 320 - الجزء 1

  فلما صار يونس # في السفينة، وركب أهلها واستقلت بهم وطابت الريح لهم، أرسل الله حوتا فحبس السفينة فلم تجز، فعلم القوم عند احتباسها أنها لم تحبس بهم، إلا بأمر من الله قد نزل بهم، فتشاور القوم بينهم، وتراجعوا القول في أمرهم، وما قد نزل بهم و أشفقوا، فقال لهم يونس: يا قوم أنا صاحب المعصية، وبسببي حبست بكم السفينة، فإن أمكنكم أن تخرجوني إلى الساحل فافعلوا، وإن لم يمكنكم ذلك فالقوني في البحر وامضوا، فقال بعضهم: هذا صاحبنا، وقد لزمنا من صحبته ما يلزم الصاحب لصاحبه، وليس يشبهنا أن نلقيه في البحر، فيتلف فيه على أيدينا ونسلم نحن، ولكن هلموا نستهم فمن وقع عليه السهم القيناه في البحر. فتساهم القوم فوقع السهم على يونس، ثم أعادوا ثانية فوقع السهم عليه، ثم أعادوا ثالثة فوقع السهم على يونس، فرمى بنفسه البحر، فالتقمه الحوت ومضى في البحر، فكان يونس # ينظر إلي عجائب البحر من بطن الحوت، وجرت سفينة القوم بهم.

  قال: ولبث يونس في بطن الحوت ما شاء الله من ذلك، فأسمد شعره وجلده، حتى بقي لحمه، ومنع الله منه الموت، فلما علم الله توبته، وقد نادى بالتوبة {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}⁣[الأنبياء: ٨٧]، فاستجاب الله له وقبل توبته، ورحم فاقته، وأرسل ملكا من الملائكة، فساق ذلك الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر، فألقى يونس من بطنه، وقد ذهب شعره