ومن سورة النور
  قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[التوبة: ٦٠]، والرقاب فهم: المكاتبون المذكورون في الصدقات، المفروض لهم ثمن ما جبي من تلك الجبايات، إلا أن لا يكون منهم من يستعين في مكاتبته، ولا يجد الإمام ذلك في ولايته، فيصرف جزءهم في أحق الأصناف السبعة الباقية.
  فأما ما يقول العامة: من أن المأمور بأن يأتوهم من مال الله من كاتب عبده، فإنه يجب أن يطرح عنه جزأ مما عليه، فليس ذلك بشيء، وليس على من باع شيئا ورضي المشتري مما ابتاع واشترى، وضعُ درهم مما عليه، بعد أن افترقا ومضى عليه وبه الشراء.
  فأما من لم تؤمن بوائقه وشره، ولم يرج رشده وخيره، فلا تجوز مكاتبته ولا عتقه، لأن في ذلك له راحة من الملك القاسر له عن كثير من فعال العاصين، ومتى تخلصت رقبته من الرق تزايد في فعال الفاجرين، وتفرغ لمعاونة الظالمين، ومعاندة رب العالمين، وكان من أعتقه ومن كاتبه معينا له على معاصيه، لما أطلق من حباله وأسلس من عنانه، و قد علم بفجوره وعصيانه.
  ١٦٨ - وسألت: عن قول الله سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ٤٠}[النور: ٤٠]؟
  النور هاهنا فهو: زيادة الله للمهتدين هدى في هداهم، وما يؤتيهم الله سبحانه من تقواهم، فأخبر سبحانه أن من لم يقبل الهدى المبتدأ، لم يجعل له نورا، بزيادة في الهدى، فالذين لم يجعل الله لهم نورا فهم الذين لم يقبلوا هدى الله ودينه، وهم المستوجبون للخذلان، المتكمهون في الضلال، وهم الذين ذكر الله أنه لم يجعل لهم نورا.