ومن سورة النور
  ١٦٩ - وسألني: عن قول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور: ٣٣] فقال: من المأمورون بأن يؤتوهم من مال الله الذي آتاهم؟
  فقلت: (قد قال غيرنا: أنهم المكاتِبُون لهم من ساداتهم، وأنه واجب عليهم أن يطرحوا عنهم ربع ما كاتبوهم عليه، وليس قولنا: - ولله الحمد - فيه كقولهم فيه، لأن الله تبارك وتعالى لم يلزم البائع من بعد رضا المتبائع، أن يضع من الثمن درهما، إذا لم يكن للبائع على المتبائع شرطا جائز، بل ألزم المكاتب أداء ما كوتب عليه، وجعله في يسير ذلك إن عجز عنه مملوكا مسترقا.
  وكيف يكون بعجزه عن قليل ما تراضيا عليه عبدا مملوكا؟! وتكون الوضيعة من ذلك للمكاتَب على المكاتِب فرضا؟!
  فهذا يا بني ما لا يقبله عقلُ عاقل، ولا يقول به من الناس إلا جاهل، وإنما أمر الله بإتيانهم من ماله ولاةَ الأمر مِن خلقه، الأئمة الهادين، والصفوة من الخلق المطهرين، أمرهم أن يؤتوهم مما جعل لهم في أيديهم من ثُمُن الصدقات، فلقد دل على ذلك من قولنا سبحانه بأبين الدلالات، حين يقول سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ}[التوبة: ٦٠] والرقاب فهم: من أمر الله بإعطائهم وإتيانهم من مال الله الذي آتى، أمر لهم.
  وقوله: {آتَاكُمْ} فمعناها: أجراه على أيديكم لهم، وجعلكم المستخرجين