تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الحجرات

صفحة 69 - الجزء 2

  ٢٩٠ - وسألته عن قول الله سبحانه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} ... إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ١٤}⁣[الحجرات: ١٤]؟

  فقال: هذا إخبار من الله من الله سبحانه، وشهادة منه على أن الإيمان: قول مقول، وعمل معمول، واعتقاد في العقول، وتكذيب لمن قال بغير ذلك، من أن الإيمان قول بلا عمل، فأخبر سبحانه أن الأعراب الذين قالوا، وأقروا وصدقوا ولم يعملوا، أنهم في قولهم أنهم مؤمنون مبطلون كاذبون، وأمرهم أن يقولوا: أسلمنا، ومعنى {أَسْلَمْنَا} فهو: صدقنا واستسلمنا للحكم، ألا ترى كيف قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} يريد: لم يصح الإيمان لكم، ولم يدخل في قلوبكم بالقول دون العمل، فلستم من المستسلمين العاملين، ولستم من المؤمنين المخلصين.

  ثم أخبرهم سبحانه أنهم إن تابوا ورجعوا إلى العمل فعملوا بعد القول، واعتقدوا طاعة ذي الجلال والطول، فعملوا بأمره كله، وانتهوا عن نهيه كله، وكانوا مع إقرارهم بالوحدانية له عاملين مجتهدين، كانوا من بعد ذلك عنده من المفلحين، وصح لهم به اسم المؤمنين، وذلك قوله: {لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} يريد: لا ينقصكم من جزاء أفعالكم وسعيكم، ولو كان كما يقول أهل الجهل والبهتان أن الإيمان قول بلا عمل، لما قال: {لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا