ومن سورة الرحمن
  {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ٦}، فسجودهما هو سجود من سجد لعظمه خالقهما، ممن تفكر في عجيب أمرهما وتصويرهما، وما في خلقهما من العبر والآيات، من ارتفاع النجوم ونورها، ومحاربها وسيرها، واعتدالها في فلكها وتقويمها، وغير ذلك من عجيب حالاتها.
  وكذلك الشجر في اختلافه وثمرة، وما ترى فيه من تدبير خالقه، واختلاف الوانه وطعمه، وعجيب فِعلِ الله في تغذيته، وتنقيله من حال الصغر والفساد، إلى حال الانتهاء ومنافع العبادة.
  فلما أن كان سجود من يسجد لله من المؤمنين، العارفين بالله المعتبرين، المستدلين عليه بما خلق من المخلوقين، من أجل ما يرون من آيات الله في خلق البشر، وعجيب ما فعل في النجوم والشجر، جاز ان يقول: {يَسْجُدَانِ ٦} وإن كان الساجد غيرهما من الإنسان، كما جاز أن يقال: إن الله زين للكافرين أعمالهم، وأغفل عن ذكره قلوبهم، وذلك قوله سبحانه: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}[الكهف]: ٢٨، وقوله: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}[النمل: ٤]، والتزين من الله فهو الإملاء والتأخير، والنظرة والتغمير، وكذلك الاغفال فهو ترك التوفيق لهم والتسديد، والعون من الله والتأييد.
  فلما إن كان من الله السبب الذي كان به غفلة قلوبهم واكتسابهم، لذلك جاز أن يقول أغفل الله قلوبهم، وكذلك التزيين لأعمالهم، لما أن كان من الله السبب الذي كان به التزين جاز أن يقال: زيَّن الله لهم أعمالهم، لا أن الله فعل التزيين للكفرة ولا شاه ولا أراده منهم ولا ارتضاه، ولا أغفل سبحانه عن ذكره قلوبهم، بل نهاهم