تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة المنافقون

صفحة 170 - الجزء 2

  عني، ولا تكلمت بهذا الكلام، وحلف إخوانه المنافقون ما قاله، ولا تكلم به، ولقد كنا حاضرين للفظه ولجميع قوله، فأنزل الله فيهم على نبيه صلى الله عليه وعلى آله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.

  معنى {اتَّخَذُوا} فهو: جعلوا {أَيْمَانَهُمْ}، معناها: قسم وحلفهم بالله، {جُنَّةً} فمعنى {جُنَّةً} أي: تقية يتقون بها، وسترا يستترون به من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ويدفعون بها ما يجب عليهم من العقوبة، التي تجب عليهم في قولهم عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} يقول: إنهم صدوا عن الحق، وعن طاعة رسول الله صلى الله عليه وعلى أهله، حين زالت عنهم العقوبة، لعفو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عنهم، عندما كان من أيمانهم وحلفهم له، فصدوا أنفسهم عن اتباع الحق، وصدوا غيرهم، ومعنى {فَصَدُّوا} فهو: أعرضوا وتركوا سبيل الله التي أمرهم بسلوكها، من أبواب طاعته، وأنواع فرائضه.

  {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٢} يقول: إنهم بئس ما كانوا يعملون فمعنى {سَاءَ} أي: قبح ما كانوا يعلمون، ومعنى {يَعْلَمُونَ ٨} فهو: يفعلون ويصنعون، من صدهم عن سبيل الله، ودعائهم إلى غير الله، وتكذيبهم لرسول الله.

  ثم أخبر سبحانه من أين نزل بهم خذلان الله، حتى فضحهم الله في كتابه، وأطلع المؤمنين على عوراتهم في فرقانه، فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ٣}، فأخبر الله سبحانه أنهم آمنوا في أول أمرهم، ثم حملتهم الحمية الجاهلية، والعصبية والأنفة والباطل، عن أن يكونوا هم وغيرهم في الحق سواء، وأن يناصفوا أحدا في الحق، فكفروا من بعد إيمانهم، وأبدوا