تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة المنافقون

صفحة 171 - الجزء 2

  العدواوة للرسول ÷ حين ناصف بينهم وبين من هو دونهم في الحق، وساوى بينهم في ومنعهم من تجبر الجاهلية وتكبرها، وتعفرتها وظلمها، فرجعوا بعد أن آمنوا برسول الله كافرين به، جاحدين لنبوته، طاعنين عليه، مغتمين من جواره، كارهين لقربه، فسقا وظلما، وتجبرا وكفرا، فأخبر الله سبحانه أن الذي أنزله بهم في كتابه من اللعن والتنقص، وما افترض على المسلمين من البراءة منهم، ومنعه لنبيئه من الوقوف على قبر من مات منهم، وما أمر به نبيئه مجاهدتهم، والغلظة عليهم، وغير ذلك مما أمر به فيهم، هو لكفرهم بعد إيمانهم، ولنقضهم العهود بعد تأكيدها، ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه: {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} يقول سبحانه: شهد على نفوسهم بالطبع والانقفال عن الهدى والإعراض عن التقوى، وأخبر أن ذلك كله لخذلان الله لهم يقول: أنزل الخذلان على قلوبهم فتحيروا، وحل بهم خذلان الله فهلكوا، ورانت المعاصي على قلوبهم فعموا، {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ٣} يقول: فهم لا يهتدون للرشد، فيتبعوه، ولا يجدون من دون الله توفيقا، فيستعينون به على أمورهم، فهم منغمسون في الضلالة والعمى، زائغون عن الحق والهدى، متمادون في الحمية والردى.

  ثم أخبر سبحانه نبيئه صلى الله عليه آله بصفاتهم فقال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٤}.

  فدل رسوله عليهم بصفاتهم، من بعد أن دله عليهم بأسمائهم، فقال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ} يقول: إذا بصرتهم وعاينتهم، يمشون مقبلين أعجبتك أجسامهم، يقول: أعجبك خلق الله لابد أنهم، وعجيب ما قدر وفصور من أعضائهم، وحَسَّن من تصويرهم، واتقن من تقديرهم، الذي لم يشكروا الله عليه ولم يحمدوه فيه، {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ