ومن سورة المنافقون
  لِقَوْلِهِمْ} يريد تبارك وتعالى بقوله: {يَقُولُوا} أي: يتكلموا بقول وإن يتكلموا تسمع لقولهم، ومعنى {تَسْمَعْ} فهو: تسمع، ومعنى {لِقَوْلِهِمْ} فهو: لكلامهم، يريد سبحانه بقوله: {تَسْمَعْ} أي: تستمع لحلاوة ألسنتهم، وتعجبك فصاحة ألسنتهم، وحلاوة لفظهم، حتى تصغي إلى سماع كلامهم تعجبا منك لجودة لغاتهم وبيان أقوالهم، فهذا معنى تسمع لا على أنه يستمع كلامهم استماع تصديق، ولا قبول تحقيق، بل هو عالم بكذبهم، وإنما استماعه وإصغاؤه إلى قولهم، تَعَجُّبٌ منه لحسن كلامهم، وفصاحة ألسنتهم، الذي لم يشكروا الله عليه، كما تعجب من خلق أجسامهم، فهذا معنى {تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}.
  ثم شبههم سبحانه بالخشب المسندة، فقال تبارك وتعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} يريد سبحانه: الذم لهم بذلك، يخبر سبحانه عن عظم أجسامهم، وتمام خلقهم، وعظيم ما هم فيه مع ذلك من جهلهم، وقلة استعمالهم لما ركب فيهم من عقولهم، فلما أن لم يستعملوا عقولهم، ولم يتدبروا أمورهم، مع عظيم ما أنعم الله عليهم به من الخلق الكامل السوي، الحسن الَّنِّير البهي، شبههم بما لا عقل فيه، إذ لم تنقعهم عقولهم، فضرب لهم بالخشب مثلا، فشبه عظيم أجسامهم في الطول والغلظ والجسَمِ، بالخشب المسندة، خشب النخل الكبار، فأخبر نبيئه ÷ أن من عَظُمَ جسمه، وحسن خلقه، وقل عمله وعدم استعمال عقله، عزب فهمه، كان في المعنى كالخشبة العظيمة، التي تعجب من نظر إليها، طولها وعرضها وفهي لا تنفع نفسها في شيء من حالها، فكذلك هؤلاء المنافقون إذ عظمت أجسامهم. وحسنت صورهم، وعدموا استعمال عقولهم، بالأعراض عن أمر ربهم، حتى نزل بهم خذلانه، وأحاط بهم انتقامه، ورانت المعاصي علي قلوبهم، فصاروا في قلة النظر لأنفسهم، والاعتبار بآيات خالقهم، كالخشب المسندة، التي لا تنفع نفسها، ولا