تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة المنافقون

صفحة 174 - الجزء 2

  أسبابك، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} معناها: لعنهم الله، {أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٤} معنى {أَنَّى} هو: كيف يؤفكون؟! ومعنى {يُؤْفَكُونَ ٤} فهو: يعرضون، ويتركون سبيل رشدهم، وقد يرون الحق في ذلك باديا لهم، ويؤفكون هاهنا فليست في معنى يكذبون، وإنما هي في معنى: يعرضون ويفرطون، ويتركون ويقصرون، وليست من جنس قوله سبحانه: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ٧}⁣[الجاثية: ٧]، لأن الأفاك هاهنا هو: الكذاب، وإنما {يُؤْفَكُونَ ٤} في هذه السورة في معنى قوله سبحانه {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ٩}⁣[الذاريات: ٩]، معناها: يستل عنه من فرَّط وقَصَّر، في يوم الجزاء بمن قصر، ويعرض في ذلك اليوم عمن أعرض في الدنيا، كما دعي إليه من الهدى فأفك في قبول الهدى، وفي تعلقه بضده من الردى، وسلوكه في طرق الحيرة والعمى.

  ثم أخبر سبحانه بعتوهم واستكبارهم، وإعراضهم عن الله سبحانه وإدبارهم، قال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ٥}، معنى قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} هو: متى قيل لهم، {تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ} معنى {تَعَالَوْا} هو: ائتوا إلى رسول الله صلى الله عيه وآله واسألوه يستغفر لكم ربكم، ومعنى {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ} فهو: يسأل الله المغفرة لكم، والتوبة عليكم، {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} هو: أعرضوا عن الحق، وهو شيء يفعله الكاره للشيء إذا دعي إليه لوى رأسه في شق، وأعرض اعراضا عن المكلم بما لا يهوى، {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} يقول: أبصرتهم يعرضون عن الحق إعراضا، ويعندون عن الله عنودا، {يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ٥}، ومعنى {مُسْتَكْبِرُونَ ٥} أي: متجبرون لا يعرفون الله، ولا يهتدون، ولا له سبحانه يتذللون.

  ثم أخبر سبحانه نبيه بأنه لن يغفر لمثلهم، ممن كان مصرا على مثل ما هو عليه مصرون، من الكفر والفجور والفسق وارتكاب الشرور، فقال سبحانه: {سَوَاءٌ