تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة التغابن

صفحة 185 - الجزء 2

  {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ}، معنى {خَلَقَ} فهو: أوجد وفتق، وابتدع وخلق، {السَّمَاوَاتِ} فهن: السماوات المبنيات، المرفوعات المقدرات، {وَالْأَرْضِ} فهن: الأرض المدحوة الذي جعلها سبحانه لخلقه فراشا، وقدرها سبحانه لهم مهادا، {بِالْحَقِّ}، فهو: بالعدل والصدق، ومعنى بالعدل والصدق، فهو: جعلها وجعل ما فيها على الحق والصدق، ومعنى على الحق والصدق فهو: أمر من فيهما به وافترض عليهم أتباعه.

  {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} يقول: خلقكم وقدركم، فأتقن ما خلق من صوركم، ومعنى {فَأَحْسَنَ} هو: فأجاد وأتقن ما برأ من بريتكم، ودبر من أمركم، وقدر من نباتكم.

  {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ٣} يقول: إليه المرجع والمعاد، وإليه مصير كل العباد. {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٤}، ومعنى قوله: {يَعْلَمُ} فهو: يحفظ ويخبر، ولا يسقط عنه شيء صغر ولا كبر، {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} يخبرهم أنه عالم بكل ما في السماوات والأرض، من كل شيء من الأشياء من جسم أو عرض، من فكر أو خاطر في قلوب المخلوقين، وأنفس المربوبين، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} في أنفسهم فيخفونه أو يظهرونه من أمرهم فيعلنونه، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٤}، فأخبر سبحانه أنه عالم بكل ماتكنه صدور العالمين، وتخفيه سرائر المخلوقين، ومعنى قوله: {بِذَاتِ الصُّدُورِ ٤}، فهو: بما في الصدور من جميع الأمور.

  ثم قال سبحانه حتجاجا عليهم، وتنبيها لهم بما كان من أمر القرون التي كانت من قبلهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ