ومن سورة التغابن
  فنسبها سبحانه إليهم، إذ كانوا مرسلن إليهم، شاهدين عليهم، {بِالْبَيِّنَاتِ} ومعنى {بِالْبَيِّنَاتِ} فهي: بالآيات القاهرات الظاهرات، والعلامات الظاهرات النيرات، التي كانت الرسل À، تأتيهم بها من عند ربها {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}، معنى {فَقَالُوا} أي: فنطقوا وتكلموا بالمحال والاستكبار، والجرأة على الله الواحد الجبار، {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} يريدون أي: بشر مثلنا يدعوننا إلى الله ويأمروننا، فلم يطيعوا الله فيما أمرهم، واستكبروا عن طاعة بشر مثلهم، إذ كانوا رسلا لربهم، ومعنى {يَهْدُونَنَا} فهو: يعلموننا ويأمروننا، ويوقفوننا على سبيل الله ويهدوننا، {فَكَفَرُوا} معناها: كذبوا وعصوا، وجحدوا فلم يطيعوا، ومعنى {وَتَوَلَّوْا} فهو: أعرضوا عن الحق وأبو، وتركوه وعتوا، {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ}، فمعنى {وَاسْتَغْنَى} فهو: إخبار من الله سبحانه باستغنائه عن الخلق، وقلة حاجته إلى من أعرض عن الحق، لأنه إنما دعاهم لحاجتهم ومنفعتهم، لا لمنفعة له في شيء من إجابتهم، {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ٦} فالغني هو: المستغني المكتفي بنفسه في جميع أموره، النافذه إرادته في كل خلقه، والحميد فهو: المحمود على نعمه، المشكور على آلائه.
  ثم أخبر سبحانه بقول الكافرين وجحدانهم لو عيد رب العالمين، الذي جاءت به إليهم رسلهم، وأدته إليه أنبياؤهم، من بعثهم وحشرهم، ومجازاتهم على ما كان من فعلهم، فقال سبحانه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ٧}، معنى {زَعَمَ} فهو: قال وذكر، وتكلم، وأخبر، {الَّذِينَ كَفَرُوا} فهم: الذين كذبوا بما جاء به أخبروا، وعليه من الله أطلعوا، من البعث والحساب، والثواب والعقاب، {أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} معناه أنهم لن يبعثوا ومعنى {لَنْ} فهو: لا، فأراد سبحانه زعم الذين كفروا أنهم