تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة التغابن

صفحة 190 - الجزء 2

  والتغابن فهو: التفاضل، معنى التفاضل فهو: حين يفضل بعض الناس بعضا، ويغبن بعضهم في ذلك اليوم بعضا، بما يستاهله بعض الناس دون بعض، من ثواب العظيم، والعطاء الجسيم، جزاء على ما كان من فعلهم، في دار دنياهم وعملهم، يغبن بعضهم في عطاء الله بعضا، بما يستأهله من ثواب ربه جزاء على فعله، فشبه الله سبحانه تفاضلهم في الآخرة في ثواب الله، بتفاضلهم، فيها يتفاضلون ويتغابنون به في دنياهم، ألا ترى أن من نال حظا في الدنيا ولم ينله صاحبه، قال: غبتني، أي: فضلتني واستاثرت به وفيه على، فكل من كان له فضل في شيء فهو: غابن للمفضول، والمفضول: مغبون، والفاضل غابن، فضرب الله مثلا لهم بتفاضل الآخرة وتغابنها، بتفاضل الدنيا ومغابنه من فيها، حضا لهم على العمل بطاعته، وتحذيرا للتغابن في عظيم عطائه في دار آخرته، في يوم الحسرة والندامة، وطلب الإقالة حين لا إقالة.

  ثم قال سبحانه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٩}، معنى {يُؤْمِنْ بِاللَّهِ} فهو: الذي يؤمن بالله، ومعنى {يُؤْمِنْ} فهو: يصدق، ويقر بالله سبحانه وبرسله، وبكل أمره، {وَيَعْمَلْ صَالِحًا} معنى {يَعْمَلْ} فهو: يفعل ويصنع، ومعنى {صَالِحًا} فهو: حقا مرضيا، {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ}، معنى {يُكَفِّرْ} هو: نعفو، {عَنْهُ} معناها: له، {سَيِّئَاتِهِ} معناها: ذنوبه وخطاياه، {وَيُدْخِلْهُ} معناها: نصيره إلى جنات، والجنات فهي: دار الرضى والخيرات، ودار الثواب والعطيات الجزيلات، {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} فهي: تسيل من تحتها، وتحتها فهو: أسفلها، {الْأَنْهَارُ} فهي: أنهار الجنة الجارية، ومياهها العذبة الطيبة الهنية المرية، {خَالِدِينَ فِيهَا} معناها: