تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الطلاق

صفحة 209 - الجزء 2

  {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} يقول: من قتر عليه، ولم يوسع ما في يديه، فكان بذلك معسرا، {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}، يقول: مما رزقه الله على قدره وطاقته، فأراد سبحانه بذلك الإخبار عن ذي السعة، وذي الفاقة والحاجة، والأمر لهما بأن ينفقا على قدر ما في أيديهما، ويخرجا من رضاع ولدهما على قدر إنقطاعهما ورزقهما، فأمر بما ذكر من ذلك الأب إذا كان ذا سعة، أن يوسع على أم ابنه إذا أرضعت له، وأمر أم الولد أن يقصد وتقبل ميسور أب ابنها إذا قدر عليه رزقه، كما قال سبحانه: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} يريد فلينفق عليها، على قدر ما أتاه الله، ومعنى {آتَاهُ اللَّهُ}، فهو: رزقه وأعطاه، ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ٧} معنى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ} أي: لا يجعل الله على نفس حكما فوق ما تطيق من النفقة، ولا يحكم عليها من النفقة إلا على قدر ما رزقها وآتاها، {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ٧}:

  سيأتي الله ذا العسر بعد عسرة تسيرا، حتى يكون بعد اليوم موسرا، كما كان اليوم معسرا، فهذه عدةٌ من الله تبارك وتعالى للمتقين وباليسر والتيسير، بالرزق الكثير، ورفع المعسور. ثم رجع سبحانه في وذكر من كان فيمن عند من خلقه عن أمره، وتخويفا لعباده، وإنذارا وإعذارا إلى خلقه، فقال ، وتعالى عن كل شأن شأنه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا}، معنى {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} يقول: وكم من قرية {عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} ومعنى {مِنْ قَرْيَةٍ} فهو: من أهل قرية، ومعنى {عَتَتْ} فهو: قست تجبرت،