تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الطلاق

صفحة 211 - الجزء 2

  {الَّذِينَ آمَنُوا} يقول: يا أهل الألباب من المؤمنين، الذين جعلت لهم ألبابا فانتفعوا بها، فأصابوا بها الرشد حين ما استعملوها، دلتهم على الإيمان فاستدلوا، وأوقفتهم على طرائق الهدى فاهتدوا، لم يكابروا ألبابهم فيضلوا، ولم يعندوا عن الله فيهلكوا، بل ركبوا سبيل الحق فاهتدوا، وأقصدوا ما أمروا فنجوا.

  {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ١٠} معنى {أَنْزَلَ} فهو: أظهر وأرسل إليكم به، {ذِكْرًا ١٠ رَسُولًا}، فهو مذكر يتذكر به من تذكر، ويؤمن به من اعتبر، ويقبل بذكرته في أمره من أبصر، {رَسُولًا} يقول: مبعوثا مرسلا مبينا، أي مؤديا، يقول: أرسله بالرسالة النيرة، والحجة البالغة، التي يبلوها علكيم، ويقيمها بينكم وفيكم، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ}، ومعني {يَتْلُو عَلَيْكُمْ} فهو: يقرأ عليكم، ويظهر بينكم، {آيَاتِ اللَّهِ}، ومعنى {آيَاتِ اللَّهِ} فهو: رسالات الله وفرائضه، وما جعل عليكم، وافترض من دينه وأقام فيكم من حقه ويقينه، {مُبَيِّنَاتٍ} فهي: ظاهرات واضحات، مشكوفات نيرات، قد ثبينت براهينها أنها من عند ربها، وصح بالمعجزات أنها من الله سبحانه، ثبتت ذلك البراهين النيرات، والآيان المعجزات، اللواتي لا تكون إلا من الله، ولا يأتي إلا عن الله. {لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.

  معنى {لِيُخْرِجَ} فهو: ليخلص أهل الإيمان والتقوى، بما يأتي به من الدلالات والهدى، التي يستدل بها المستدلون، ويعلم بها العالمون، صدق ما جاء به الرسول الأمين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، من الهلكة، {الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} والبينات، معنى {الظُّلُمَاتِ} فهي: ظلمات الكفر وشركه، وما فيه لأهله من الويل والبلاء، قوله: {إِلَى النُّورِ} فهو: إلى نور الحق وضيائه، وراحتة ورجائه.