تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الطلاق

صفحة 212 - الجزء 2

  ثم قال سبحانه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ١١}، معنى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ} فهو: يصدق بالله ويوقن بآيات الله، ويوقن بالرسالات التي جاءت من الله على ألسة أنبيائه، {وَيَعْمَلْ صَالِحًا} يقول: يكون مع إيمانه وتصديقه، عاملا بما أمر الله به من فرائضه، {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} يقول: على ذلك من العمل أدخلناه جنات، والجنات فهي: دار الكرامات، التي جعلها الله للمتقين، وكرم بها عباده المومنين، دار السرور في المآكل والمشارب، والمناكح والملابس، التي لا يفتقر من نال ملكها، لا يستقيم من حلها، ولا يشقى من نالها، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} يقول: تجري من تحت أشجارها، وبين دورها وقصورها، الأنهار، والأنهار فهى: التي ذكر الله تبارك وتعالى حين يقول: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ}⁣[محمد: ١٥]، {خَالِدِينَ فِيهَا}، معنى {خَالِدِينَ فِيهَا} فهم: مخلدين، ومعنى مخلدين فهو: مقيمون لايبرحون ولا يجرحون، ولا يفقدون كرامة الله التي يعطون، فهم مقيمون أحيا لا يموتون، مسرورون لا يحزنون، أغنياء لا يفتقرون، قد صدقوا قول الله فصدقهم، وأرضوه فأرضاهم، فصاروا عنده مقربين، وفي ثوابه خالدين، أبدا الأبد. {فِيهَا أَبَدًا} فمعنى {أَبَدًا} هو: أبد الأبد، والغاية التي لا انقطاع لها ولا مدى. {قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ١١} يقول سبحانه لمن كان كذلك، وصارا إلى ما ذكرنا من ذلك، قوله: {رِزْقًا ١١} فهو: ثوابا، وثوابا فهو: عطاء ونائلا وفضلا.