ومن سورة الطلاق
  ثم ذكر سبحانه ما جعل من سمواته وأرضه، ليكون ذلك حجة له على جميع خلقه، فقال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، معنى قوله: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}، فهو: دلالات منه على نفسه بما فطر من فعله، وأظهر من صنعه، في سمواته وأرضه، فدل سبحانه بصنعه على نفسه، وأخبر أنه هو الذي خلق ما ذكر، ومعنى {مِثْلَهُنَّ} فهو: في العدد سبعا كالسماوات، لأنها مثلها في الخلق والتصوير، والتجسيم والتقدير.
  {يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} فمعنى {يَتَنَزَّلُ} فهو: يتنزل ويتردد ويهبط ويتبدد، والأمر فهو: ما جعل الله سبحانه من الأسباب والمقادير، والأرزاق والتقادير، التي قدرها من هبوط ملائكته، إلى أنبيائه بأمره، ونهيه وفرضه وجعله، وما ينزل من السماء من الماء، الذي به حياة الأشياء، وما ينزل من السماء إلى الأرض من رحمة واسعة، وكرامة شاملة للمؤمنين، ومن عذاب نازل بالفاسقين، واقع بالكافرين، فهذا تنزيل ما ينزل بين السماوات والأرضين. {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} معنى {لِتَعْلَمُوا} هو: لتوقنوا إذا رأيتم وأبصرتم تنزيل هذا الأمر الذي به خبرتم، {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ومعنى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فهو: على كل شيء من الأشياء مقتدر وله منفذ قاهر لا يمتنع عليه منها شيء ولا يفوته شيء، وهو القادر على كل شيء، يفعل ما يشاء فينفذ في الأشياء فعله، ويظهر عليها في تدبيرها قدرته.