تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة آل عمران

صفحة 168 - الجزء 1

  يتعلق تنزيله [بتأويل يعرفه العالمون] وينسب فيه إلى الله شبه خلقه الجاهلون، فأبطلوا بذلك ما ذكر الله من الأمهات المحكمات، اللواتي جعلهن بالحق شاهدات، وعن ظاهر المتشابه ناطقات.

  ٤٢ - وسألت: عن قول الله سبحانه: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}⁣[آل عمران: ١٧٩]؟

  ومعنى ذلك عندنا، وما نتأوله في قولنا: أنه أراد أنه لم يكن ليذر المؤمنين على ما عليه غيرهم من المنافقين، وذلك أن المؤمنين كانوا إذا أمرهم رسول الله ÷ بشيء، مما أمره الله أن يأمرهم به من شرائع الإسلام، أذعنوا لذلك وسلَّموا وانقادوا له، وأجابوا بقولهم وألسنتهم، وكان المنافقون إذا أمروا ونهوا أجابوا بألسنتهم وأظهروا في باطنهم خلاف ما أظهروا، وكانوا يحتذون قول المؤمنين، ويذكرون عن أنفسهم ما يذكر المسلمون، من الإجابة والرغبة والصدق والسمع والطاعة والحق، فذكر الله ø أنه لا يذرهم على ذلك حتى يميزهم بالأمر والنهي لهم، والإفتراض لما افترض على خلقه من الجهاد في سبيله، والإنفاق في طاعته، والإتباع لرسوله فيما أُمروا به من الجهاد، والصبر مع الرسول في البلاء، حتى يتبين للرسول الصادق في فعله وقوله، والكاذب فيما يظهر من نفسه للرسول، فلما افترض ذلك عليهم، وجعله حجة له باقية فيهم، لا يسعهم تركها، ولا يجوز لهم رفضها، لهج لذلك المؤمنون، وبَسَمَ له المتقون، وقولهم بفعلهم صدَّقوا، ونكل المنافقون ورضوا بالتخلف عن رسول الله وعصوا، فبان بذلك المؤمنون من الفاسقين، والصادقون من المنافقين، ومازهم بذلك رب العالمين، فوقف الرسول