ومن سورة الملك
  من التركيب سبحانه عليه، فأخبر سبحانه أنه لا يوجد ولا يرى في خلقه اختلاف أبدا، عما جعله عليه جعلا وركبه فيه تركيبا، فأخبر سبحانه بذلك أن كل شيء من خلقه، ثابت على ما جعل فيه ومن تركيبه، لا يزيد على ما جعله الله عليه، ولا ينقص عنه، فالكبير كبير على حاله كما جعل، والصغير صغير كما فعل، والبعيد بعيد قاصٍ، والقريب قريب دانٍ، والجميل جميل لا يتغير أبدا، والسمح فعلى ما جعل عليه يكون من الأشياء، ليس من خلق الله خلق يحول عما خلق عليه، ولا يتفاوت فيما ركب فيه، فهذا معنى قوله سبحانه: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ}.
  {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ٣} معنى {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} يقول: ارجع في النظر، وأدر واقلب ما جعل لك من النظر، في خلق الله العزيز الأكبر؛ {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ٣} يقول: هل ترى من اختلاف، أو تفاوت مما جعل على الإئتلاف، فلن تجد أبدا فطورا ولا اختلافا، بل ترى كل ما خلقنا على ما جعلناه من التسوية والإئتلاف والتركيب.
  {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ}، أي: مرتين، يقول: ارجع البصر، وأَحِدَّ استعمال النظر، {كَرَّتَيْنِ} أي: مرتين ليثبت لك أمرك، ويتبين لك غير ما قصد بصرك، وأنك إن فعلت ذلك وأجدت التمييز والبصر استعملت في ذلك العقل والفكر، لم تر في شيء مما خلقنا تفاوتا، فيما ركبناه عليه من تقديرنا.
  {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ٤} معنى {يَنْقَلِبْ} يقول: يرجع إليك - بعد تثبتك في النظر في مجعولاتنا، وتقليبك لبصرك في مخلوقاتنا - بصرك