تفسيرسورة القلم
  ثم أخبر أخبر سبحانه أن عذاب الآخرة لمن عتى عن أمره، أشد وأعظم عليه مما ينزل به في حياته ونفسه، فقال: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ٢٦} يقول: أجل وأعظم وأخطر، والآخرة فهي: الدار التي أول أيامها يوم القيامة، {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ٣٣} يقول: لو كانوا يفقهون ويعقلون.
  ثم أخبر سبحانه بما أعد للمتقين، وجعل سبحانه عنده لعباده المؤمنين، {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٣٤}، والمتقون فهم: المتقون لمعاصي الله الخائفون، ومعنى متقي لمعاصي الله فهم: التاركون لها، والخآئفون من الله العقوبة في ارتكابها، تقول العرب: أتقى فلانا، أي: احذره وخفه. وتقول العرب: أتقوا السلطان. أي: خافوه، ولا تفعلوا شيئا يجب عليكم فيه العقوبة، {عِنْدَ رَبِّهِمْ} فمعناها: عند معادهم إلى ربهم، {جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٣٤} فهي: جنات الخير المقيم، من والشهوات والمطاعم والمناكح والمشارب والبشارات.
  ثم أخبر سبحانه إنه لن يجعل مسلما كمجرم، في الحال والحكم، فقال: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ٣٥}؟! معنى {أَفَنَجْعَلُ} يقول: أنسوي ونعدل في الحكم والفعل بين من كان مسلما،؟! ومن كان مجرما؟! هذا ما لا يكون أبد! ولا يعرف من فعلنا وعدلنا! بل لكل دار، وجزاء وقرار، والمسلمون فهم: المؤمنون بالله المسلمون لأمر الله، والمجرمون فهم: المعتدون الظالمون لأنفسهم، المجترون على الله ربهم، الذين أجرموا في فعلهم، وعصوا في صنعهم.
  {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٦}؟! معنى {مَا لَكُمْ} أي: ما بالكم؟! {كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٦} يقول: كيف حكمكم بهذا؟! وكيف القول فيه عندكم؟! أفمن فعله فعل المحسن كالمسيء؟! والضال كالمهتدي؟! إن كان هذا عندكم صوابا ماضيا، وحكما بالحق