تفسيرسورة القلم
  ذلك كله، متعال عن كل شيء منه، تبارك وتعالى عما يقول الجاهلون!
  والمعنى الثاني: الذي يفسد قولهم منه: أن يوم القيامة ليس هو يوم عمل ولا ابتلاء، وإنما هو يوم حساب وجزاء، فافهموا ما قلنا من تفسير هذه الآية المحكمة، فإنه معنى يضل جميع هذه الأمة عنه، إلا من هداه الله إليه، ودله بلطائف صنعه عليه.
  {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}، يقول: تعلوهم الذلة وتغشاهم، فالخاشعة من الأبصار هي: المكتيبة المرعونة الفزعة، التي قد دخلها من الإيقان بهلاكها ما أذهل نفوسها، وأبلسها في كل أمورها، فخشعت للضعف والدمار، منها الاجفان والابصار، {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} يقول: تعلوهم الذلة وتغشاهم فهم أذلاء، في يوم الدين أخزيا، هالكون أرديا.
  {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ٤٣}، فمعنى {يُدْعَوْنَ} ها هنا خلاف {يُدْعَوْنَ} ثَم؛ لأن معنى {يُدْعَوْنَ} الأوله هو: يدعون بالحجة، ويُسْألُوْنَ إثباتها، و {يُدْعَوْنَ} هاهنا: آخرى، فهو: إخبار عما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يدعوهم إليه من السجود والإيمان به، والإيقان بأمره، والتسليم لحكمه، في دار دنياهم وفي حال صحتهم ورخائهم، إذ هم سالمون، ومعنى {سَالِمُونَ ٤٣} فهو: سالموا القوى والاستطاعة، قادرون بذلك على الطاعة، لم ترهقهم في ذلك الوقت من دنياهم الذلة التي ترهقهم في دار جزائهم، فكانوا عند دعاء رسول الله # لهم إلى ذلك مستكبرين، وعن السجود لله صآدين، ولوعده ووعيده مكذبين، فهذا معنى ما ذكر الله من أنهم كانوا سالمين.