تفسير سورة الحاقة
  وأنزل بهم من العذاب لا راد له، ومعنى {رَابِيَةً ١٠} فهي: شديدة مبالغة بينة.
  ثم أخبر سبحانه بما كان منه من النعمة في حملهم في الفلك الجارية فقال: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ١١}، ومعنى {إِنَّا}: إخبار عن فعله بهم، ومعناها: نحن، ومعنى {لَمَّا} فهو: إذ، {لَمَّا طَغَى} فمعنى {طَغَى}، فهو: علا وكثر، وأتى وطمى {الْمَاءُ} فهو: الماء المعروف الذي يستغنى بمعرفته الخلق له، عن شرحه وتفسيره وذكره وتأويله.
  معنى {حَمَلْنَاكُمْ} أي: دللناكم على الركوب وهديناكم إلى عملها، حتى عرفتم ما جهلتم من بنائها، واستدللتم بدلالتنا على تقديرها، فقدرتموها بقدرتنا، وثبتموها بأرادتنا، فصارت فلكا حاملة لكم، سفنا في الماء جارية بكم، فهذا معنى {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ١١}، والجارية فهي: السفن المسمره المؤلفة المبينه المقدرة، التي تجري في البحار بأهلها، وتطفوا بقدرة الله على الماء بها فيها، فلما كان الله سبحانه الهادي لخلقه إلى ذلك، جاز أن يقول: {حَمَلْنَاكُمْ}.
  {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ١٢}، معنى {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ} هو: لنصيرها لكم تذكرة، ومعنى {تَذْكِرَةً} فهو: ذكر لكم، وحجة عليكم، لتعلموا أنا أولياء نعمتها، والمنعمون عليكم بها، لتذكروا نعمتنا فيها فتشكروا، وتتفكروا فيما هديناكم إليه من أمرها فتؤمنوا: الأذن المؤمنة المصدقة بكتب ربها ورسله وآياته ونذره، المستدلة بظاهر آيات الله وصنعه، وما أظهر في تدبير العالم من قدرته، على عجائب ما حجب من علمه، وأرسل به على ألسنة رسله، من ذكر