تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة نوح

صفحة 318 - الجزء 2

  المطر لا السماء الخضراء، التي هي السماء العليا، والعرب تسمي السحاب سماء، يقول: كانت علي بلد كذا وكذا سماء حسنة، تريد: سحابا حسنا، فقال سبحانه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}⁣[يوسف: ٨٢]، فقال: القرية والعير، وإنما أراد أهل القرية وأهل العير، لا القرية بعينها ولا العير، وكذلك تقول العرب كلهم، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}⁣[البقرة: ٩٣]، فقال: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} والعجل لا تشربه القلوب، وإنما أردا شربوا في قلوبهم حب العجل، فطرح حب، وأقام العجل مقامه، والعرب تفعل هذا بالشيء الذي من جنس الشيء المنسوب إليه، المعروف الكائن منه وفيه، وفي ذلك ما قال شاعر من العرب:

  ألا أنني أسقيت أسود حالكا ... الأبجلي من الشراب الأبجل

  يريد: سقيت سما أسود حالكا، والأسود فهو: الحية، فقال: سقيت أسود، وليس الأسود يسقاه الناس، وإنما يسقون سمه، فأقام الأسود مقام السم؛ لأنه منه وإليه، يعرف به ويستدل به عليه، ومعنى قوله: {مِدْرَارًا ١١}، أي: كثيرا دارا، والدارُّ فهو: التابع والمتوالي الذي لا ينقطع بعضه من بعض.

  {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ}، فمعنى {يُمْدِدْكُمْ} أي: يعطيكم، ويزيدكم ويقويكم، والأموال فهي: ما كان من الذهب والفضة، والحرث والأشجار والأنهار، وكل شيءيجلب به المال، والبنون فهم: الذكران من الأولاد. {وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ١٢} معنى {وَيَجْعَلْ} فهو: