تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة نوح

صفحة 320 - الجزء 2

  بعضهن، وهي السماء الدنيا، جاز أن يقال: فيهن إذ كان في بعضهن، وكذلك يقول القائل من العرب: نزلت في العراق، وإنما نزل في بعضه ولم ينزل في كله، ويقول: خضت البحر، وإنما خاض طرفه وبعضه، فقال: خضت البحر ولم يخض منه إلا اليسير، وقد بقي منه الكثير، وكذلك يقول القائل: رميت في عسكرهم بسهم، وإنما رمى في جانب منه، ولم يرم في كله، فعلى هذا المعنى يخرج قول الله سبحانه: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا}، وإنما هو في واحدة.

  معنى قوله: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ١٦} والسراج فهو: النور المتوقد الذي يضيء به ما بين السماء والأرض، فلما أن أضاء بالشمس ما بينهما، كانت كما قال الله {سِرَاجًا ١٦} فيهما.

  {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ١٧}، فمعنى {أَنْبَتَكُمْ} فهو: خلقكم، والمخلوق من الأرض فهو: أبو الخلق آدم #، فلما أن كان خَلقُه من التراب وابتداؤه، وجعله واقتضاه، جاز أن يقول لمن كان منه: أنبتكم من التراب إذ أصلهم منه كان، وعنه بقدرة الله بان. و {نَبَاتًا ١٧} فهو: خلقا من التراب وتصويرا، وجعلا منه وتقديرا.

  {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ١٨}، فمعنى {يُعِيدُكُمْ} أي: يردكم فيها من بعد موتكم، ومعنى {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ١٨} فهو: يحييكم بعد الموت ويخرجكم من الأرض بعد الفناء والبلى والمصير إلى الرفات في الثرى، في يوم