ومن سورة نوح
  الدين، وحشر العالمين، {إِخْرَاجًا ١٨} فهو: خروجا حقا، وقولا صدقا، لا يخامره باطل ولا محال، ولا فساد في قول ولا فعال.
  {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ١٩}، فمعنى {جَعَلَ} أي: فعل وسوى، وبسط ودحا، {بِسَاطًا ١٩} فهو: فراشا مبسوطا يرقد عليه، ويوافا في كل الحالات إليه، فشبه الأرض في أبساطها للخلق بالبساط المبسوط لهم، الذي يجلسون عليه، إذا كانت لهم مضحعا ومفترشا، ومأوى ومبسطا. ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ٢٠}، يقول سبحانه: جعلناها لكم بساطا منبسطا طويلا عريضا ذا بعد ومدى، {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا}: لتسيروا فيها {سُبُلًا فِجَاجًا ٢٠} والسبل فهي: الطرق، وفجاجا فهو: جوانبا وشعابا، لأن الفج هو: الشعب العظيم من الأرض، والجانب الواسع الذي يكون بين الجبال، فسمى ذلك فجاجا.
  {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ٢١}، معنى {عَصَوْنِي} أي: خالفوني ولم يطيعوني، وجنبوا عن أمري، واستخفوا بدعوتي {وَاتَّبَعُوا} فهو: أطاعوا وأحبوا وأرادوا {مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ٢١} يقول: لم يزده ما رزقته من المال والولد إلا خسارا، أي: كفرانا وعصيانا حتى خسر بماله وولده ما ربح المؤمن بهما، من الشكر لربه سبحانه عليهما، فصار لنعم الله خاسرا؛ إذا كان له في ذلك غير شاكر، وبما أعطاه منه غير ذاكرا.
  {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ٢٢}، يعني نوح صلى الله عليه: قومه، ومعنى {مَكَرُوا} فهو: تخبثوا وتحيلوا علَّي، وأداروا دوائر من السوء فَّي، {كُبَّارًا ٢٢} فهو: مكرا كثيرا عظيما كبيرا، والمكر فهو: ما ذكرنا من البغي والخدائع.