ومن سورة نوح
  {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا}، وهذا قول من قوم نوح صلى الله عليه حين دعاهم إلى الله، وأمرهم بترك ما يعبدون من دون الله، فقالوا: {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} وهو قول من بعضهم لبعض وآلهتهم فهي: الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله، ومعنى {لَا تَذَرُنَّ} فهو: لا تتركنَّ ولا تخلنَّ، ولا تفارقوا ولا تَدَعُنَّ.
  {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ٢٣ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا}، فهولآء أصنام كلها أصنام كانت تُعبد من دون الله، فأما سواع ويغوث ويعوق ونسرا فكانت باليمن، وأما ود فكان بدومه الجندل، وأما سواع فكان بجوف همدان، وأما يعوق فكان بخيوان، وأما يغوق فكان في حمير، وأما نسر فكان في مراد مذحج، وكان قوم نوح يجلونها ويعظونها وإن لم تكن عندهم، فتعلقوا بعبادتها، وتأمروا بأن لا يخلوا عنها ولا يتركوها، وأن يثبتوا عليها، ويخالفوا نوحا صلى الله عليه وما يدعوا إليه، ثم قال #: {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} ومعنى {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} يخرج على معنيين:
  فأما أحدهما: فعلى مجاز الكلام فيكون عنى صلى الله عليه الأصنام، فجاز أن يقال: أضلوا لما أن كان الضلال عن غيرها بأسبابها، جاز أن يقال: أضلوا.
  والمعنى الآخر: أن يكون عني بالإضلال من يدعوا إلى عبادة الأصنام من الناس من قومهم وغيرهم، وهذا عندي أشبه المعنيين وأحسنهما.